يجمع مراقبون على أن نظام آل سعود يحاول فرض شروطه على الحوار الجاري مع جماعة أنصار الله “الحوثيين” للتوصل إلى هدنة في حرب اليمن.
يتم ذلك وسط استمرار اشتداد المعارك وتهديد الحوثيين بتوجيه المزيد من الضربات إلى المملكة التي أعلنت عن استشهاد مساء أمس اثنين من عناصرها العسكرية، على الحدود الجنوبية مع اليمن.
وذكرت وكالة الأنباء الرسمية (واس) أن العسكريين فارس سعيد الغامدي، وبدر عيسى السلمي استشهدا من دون الحديث عن رتبتهما العسكرية.
ولم تتطرق الوكالة إلى تفاصيل وتوقيت مقتل العسكريين الاثنين، غير أن الحوثيين يعلنون، بين فينة وأخرى، مقتل وجرح جنود سعوديين في مواجهات قرب الحدود اليمنية.
ويومي 2 و3 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أعلنت السعودية مقتل 5 من جنودها في معارك الحد الجنوبي بمنطقة جازان، جنوب غربي المملكة، ضمن أنباء منفصلة نشرتها “واس” عن قيام مسؤولين سعوديين بتقديم واجب العزاء فيهم إلى أسرهم.
ويسيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء، منذ سبتمبر/أيلول 2014، قبل أن تتوسع هيمنتهم لتشمل عدة محافظات.
ويقول الحوثيون إنهم عرضوا مبادرة وقف إطلاق النار من جانب واحد مع قوات تحالف آل سعود من منطلق ضعف، وذلك لإيمانهم بأن الحرب ليست من مصلحة أي طرف في المنطقة، بل هي من مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل فقط.
ويهدد الحوثيون بقدرتهم على قصف عمق المملكة وأن الكرة الآن في ملعب قوات تحالف آل سعود بشأن التوصل إلى تهدئة.
ويرى مراقبون أن وقف إطلاق النار لم يتم إقراره إلا من جانب الحوثيين، وبالتالي فإن قوات تحاف آل سعود تبدو غير معنية به.
ومع ذلك لم يستهجن المراقبون لجوء قوات التحالف إلى تعزيز ضرباتها العسكرية على مناطق للحوثيين رغم وجود مباحثات وحوار بينهما، ولم يستبعدوا أن تكون هذه الهجمات في إطار فرض الشروط على طاولة التفاوض، أو نتيجة تدخل قوى إقليمية ودولية في الملف اليمني.
ويحتدم النقاش في الأوساط اليمنية، حول التسريبات المتواترة عن حوار بين آل سعود والحوثيين، في ظل جملة من التساؤلات والطروحات المترافقة مع الحديث عن المفاوضات، بما فيها إمكانية قطع الصلة بين الجماعة وداعميها في إيران، إلى جانب آراء متباينة بتقييم التطور، وما إذا كان مناورة كما سبقه من المحطات، أم أنه المآل الطبيعي للحرب بعد ما يقرب من خمس سنوات وما تخللته من إخفاقات.
وشهدت الأيام القليلة الماضية نقلة جديدة على صعيد التهدئة، عبر تراجع المواجهات في المناطق الحدودية لمحافظتي صعدة وحجة اليمنيتين وما يقابلهما من الجانب السعودي، على الرغم من استمرار الغارات الجوية ضدّ أهداف مفترضة للحوثيين في صعدة على وجه التحديد.
ويأتي تراجع المواجهات في الجبهات الحدودية بعد أن توقفت إلى حدّ كبير غارات التحالف في أكثر من محافظة يمنية، اعتباراً من أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد إعلان الحوثيين عن وقف أنواع الهجمات كافة باتجاه الأراضي السعودية، ومطالبتهم الرياض باتخاذ خطوة مماثلة.
وتتداول الأوساط السياسية اليمنية تسريبات عن وجود محادثات غير مباشرة تعقد بين ممثلين عن آل سعود وآخرين عن “أنصار الله” تجرى بتكتمٍ شديدٍ، وعن عروض قدمتها الأخيرة بالقبول بمقترحات تسوية تتضمّن تطمينات للرياض بشأن المناطق الحدودية، وكذلك على صعيد الترتيبات السياسية اليمنية، وصولاً إلى ما يتصل بعلاقة الجماعة مع طهران، ومدى قدرة الأولى على تقديم ما يطمئن السعوديين في هذا الجانب.
وبالنظر إلى مجمل المعطيات، بما فيها مستجدات الأشهر الأخيرة، وتجارب المحطات السياسية خلال السنوات الماضية، تبرز العديد من التقييمات والسيناريوهات لطبيعة ما يمكن أن يؤدي إليه أي حوار بين الرياض والحوثيين. وتتصدر ذلك القراءة التي ترى أن المفاوضات باتت بمثابة خيار استراتيجي للسعوديين مع الحوثيين، ولا سيما لناحية دعم تسويات سياسية متصلة بصنعاء، على غرار “اتفاق الرياض” الذي رعته المملكة لاحتواء أزمة الحكومة و”المجلس الانتقالي الجنوبي” في العاصمة المؤقتة عدن.
ويعزز سيناريو سعي الرياض لدعم اتفاق مع الحوثيين مسار التهدئة الذي بدأ في أعقاب بلوغ التصعيد ذروته، باستهداف شركة “أرامكو” في بقيق وخريص في 14 سبتمبر/ أيلول الماضي، ومن ثمّ إعلان الحوثيين عن وقفٍ شاملٍ للهجمات باتجاه السعودية، وما قابل ذلك من مواقف للأخيرة اعتبرت ما أعلنته الجماعة خطوة إيجابية، في حين تبدو الرياض أكثر حاجة لرفع فرص المسار السياسي على حساب العمليات العسكرية.
الحوثيون بدورهم، ومهما حاولوا التظاهر بأنهم باتوا في وضع أقوى، بعد ما يقرب من خمس سنوات من الحرب، بدليل الهجمات التي وصلوا من خلالها إلى أهداف غير مسبوقة في المملكة، إلا أنهم في المقابل يخفون الجزء المتعلق بالخسائر، في وقتٍ تعيش فيه المناطق الخاضعة لسيطرتهم وضعاً كارثياً.
وتحكم الجماعة في ظله قضبتها بالحديد والنار، لكنه يبقى تهديداً لها مهما حاولت استثمار المعاناة الإنسانية وغير ذلك، مما يحفزها على تقديم تنازلات.
ويبرز التساؤل المحوري عن طبيعة الحل الممكن في إطار تفاهمات بين السعودية والحوثيين، وعما إذا كان يتصل بتهدئة وتطمينات خاصة بالمناطق الحدودية. وبالتالي، يكون ذلك بمثابة تطبيع مع سيطرة الحوثي على مختلف مناطق شمال البلاد، وهو حصيلة ما يمكن أن يؤول إليه هذا السيناريو، ويمكن اعتباره اتفاقاً بين الرياض والحوثيين، وإن لم يكن نصاً وشكلاً بذات المقتضى.
ويأتي السيناريو الثاني للحوار وما يمكن أن يؤول إليه، ليشمل إمكانية إبرام تفاهمات يمكن أن تفضي إلى صيغة معينة، على غرار اتفاق الرياض؛ أي ترتيبات يمنية – يمنية تشمل مصالحة وتؤدي إلى سلطة توافقية في البلاد، يشارك فيها الحوثيون وتعمل في صنعاء، تماماً كما كانت تتضمّنه المقترحات السياسية لحل الأزمة برعاية الأمم المتحدة على مدى السنوات الماضية.
وكان الطرفان، الحكومة والحوثيون، متفقين عليها من حيث المبدأ، ويختلفان في التراتبية الخاصة بأي الترتيبات يتم البدء به، الأمنية أم السياسية.
وبالنظر إلى مختلف أدبيات الحوثيين وممارسات الجماعة وإجراءاتها على أرض الواقع في صنعاء، فإنّ مجهودها السياسي ينصبّ على كل ما يمكن أن يؤدي لوقف ما تصفه بـ”العدوان” (العمليات العسكرية للتحالف)، والاعتراف أو التطبيع بصورة أو بأخرى مع سيطرتها على أغلب مناطق شمال البلاد. في حين أنّ حلّاً شاملاً قد يتطلّب ترتيبات كتلك التي تضمّنها “اتفاق الرياض”، وبنود مبادرات الحل السياسي المعروفة، والتي جرى الحديث بشأنها خلال مشاورات الكويت في عام 2016.
كل ذلك، يقود إلى أنّ الجماعة أمام اختبار حول مدى عزمها على تقديم التنازلات المطلوبة للحل، لا انتزاع حالة من التهدئة والاعتراف بالأمر الواقع.
وأمام حقيقة الواقع المعقّد، يذهب السيناريو الثالث المحتمل لسيرورة ومآل التفاهمات بين الرياض والحوثيين، نحو الاعتقاد بأنّ جهود الرياض ستبقى حذرة إلى حدٍ كبير وتتفق مع رغبتها في التهدئة، لكن النتيجة قد لا تختلف عن المراحل السابقة التي تعثرت فيها الجهود السياسية، سواء كما حصل خلال عام 2016، حينما وصلت التفاهمات بين الجماعة والجانب السعودي إلى مرحلة متقدمة، بوجود وفد من الأولى في مدينة ظهران السعودية الحدودية لأسابيع، أو على غرار فترات وقف الحرب التي كانت تسود بين الحكومة اليمنية والجماعة خلال ما يعرف بـ”الحروب الست” بين عامي 2004 و2010. مع الأخذ بالاعتبار الاختلافات الكبيرة في المعطيات بين الحرب التي يشهدها اليمن منذ سنوات، وتلك الحروب التي كانت محصورة في الغالب بأجزاء من محافظة صعدة، معقل الجماعة.
وفي ظلّ بقاء الوضع مفتوحاً على مختلف السيناريوهات، يبقى المؤكد أنّ ثلاثة عوامل رئيسية تحكم هذا المسار: أولها أجندة آل سعود من الحوار مع الجماعة والحيثيات التي ينطلق منها هذا التوجه، وما إذا كان متصلاً بترتيبات آنية أم أنه مآل طبيعي للحرب، بقواعدها وتعريفاتها خلال السنوات الماضية على الأقل.
أمّا العامل الثاني، فيتمثل بما يمكن أن يقدمه الحوثيون من أجل السلام، وما إذا كانت الجماعة تسعى للاعتراف بسيطرتها على صنعاء ومناطق أخرى، أم تدعم ترتيبات حكومية شاملة.
ويتصل العامل الثالث بعموم المواقف اليمنية وقدرة المقترحات والأفكار المقدمة للحل على أن تجد طريقها إلى التنفيذ والقبول. كل ذلك على اعتبار أن الموقف الدولي عموماً يشجع التوجه نحو الحل.