قالت مجلة فورين أفيرز الأميركية إن جائحة فيروس كورونا سلطت الضوء على تراجع مكانة المملكة في العالم الإسلامي بعد سنوات من تداعيات سلبية لسياسات نظام آل سعود وتخبط قرارته.
وذكرت المجلة الأمريكية أن سياسة الإغلاق التي تتبعها المملكة للحد من تفشي الوباء -والتي شملت تعليق العمرة وقد تشمل إلغاء الحج هذا العام- ستكلفها ثمنا باهظا على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
وجاء في مقال للكاتبة الأميركية كريثيكا فاراغور بالمجلة تحت عنوان “فيروس كورونا يهدد الطموحات العالمية للسعودية” أن المملكة أصدرت قرارا مفاجئا بوقف كافة تأشيرات العمرة أواخر فبراير/شباط الماضي ضمن الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كورونا والتي شملت لاحقا إغلاق أقدس بقعتين إسلاميتين (مكة المكرمة والمدينة المنورة) وفيهما بيت الله الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، اللذان يستمد منهما ملك السعودية لقبه “خادم الحرمين الشريفين”.
وقالت الكاتبة إن سلطات آل سعود تتجه نحو إلغاء موسم الحج لهذا العام وإن لم تعلن ذلك رسميا بعد، إلا أن المؤشرات تحيل إلى ذلك، حيث حث وزير الحج بالمملكة الناس على التريث في حجز الرحلات المتعلقة بأداء الفريضة الإسلامية الخامسة، مما يشير إلى أن الإعلان الرسمي بشأن إلغاء موسم الحج أصبح وشيكا.
ووفقا للكاتبة فإن تعليق العمرة وإلغاء الحج، رغم فوائد الإجراءين بالنسبة للصحة العامة، سيكلفان المملكة ثمنا باهظا على أكثر من صعيد. إذ سيعاني الاقتصاد السعودي كثيرا جراء غياب عائدات الحج والعمرة التي تقدر بمليارات الدولارات سنويا، وستستمر معاناته باستمرار الإغلاق.
وهناك خسارة أخرى أقل قابلية للقياس ولكنها بنفس القدر من الأهمية -تقول الكاتبة- فبالرغم من تراجع صورة المملكة خلال العقدين الأخيرين، ظل الحج إحدى أهم أدوات القوة الناعمة للسعودية، وتعليق الحج بسبب كورونا من شأنه كشف تراجع النفوذ السعودي في العالم الإسلامي.
ورجحت الكاتبة أن تؤدي تداعيات تفشي كورونا وإجراءات المملكة للتصدي للفيروس إلى تسريع تحول تاريخي كان قد بدأ، ألا وهو نهاية مساعي السعودية لقيادة عالم إسلامي موحد وظهور عالم إسلامي متعدد الأقطاب.
وأشارت إلى أن جهود المملكة لإعادة تشكيل العالم الإسلامي -التي بدأت عام 1960 من خلال انتهاج سياسة خارجية تحت شعار التضامن الإسلامي- شهدت تراجعا كبيرا بعد أحداث 11 من سبتمبر/أيلول 2001.
فقد تم التضييق على تمويل الأنشطة الدعوية التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي، وهي منظمة دولية غير حكومية مقرها مكة المكرمة تشرف على الدعوة وتقوم بأنشطة عديدة من ضمنها توزيع المصاحف وبناء المساجد في أنحاء شتى من العالم.
ووفقا للكاتبة فقد تقلص تمويل فروع رابطة العالم الإسلامي وأنشطتها في إندونيسيا وكوسوفو ونيجيريا بعد عام 2001.
ونقلت عن الدكتور فضل خلود (رئيس فرع الرابطة في نيجيريا) القول إن تمويل الرابطة لفرعه انقطع لمدة عقد كامل حيث أخضعت السعودية جمعياتها الخيرية للتحقيق الخارجي، مما اضطره لتسريح جميع موظفي الفرع تقريبا وإنه يدير الفرع الآن بمفرده.
كما ساهم تراجع عائدات النفط -في ظل انهيار أسعار النفط- في تراجع الطموح العالمي للمملكة وفقا لكاتبة المقال، مقابل صعود دول إسلامية أخرى مثل تركيا التي تستند إلى تاريخها العثماني، ودول وسط آسيا وإيران.
وأشارت كاتبة المقال في “فورين أفيرز” إلى أن فريضة الحج ظلت ورقة رابحة في جيب المملكة السعودية، حتى بعد التراجع المطرد لقوتها الناعمة.
فمثلا تمنح المملكة إندونيسيا (أعلى كثافة إسلامية عالميا) أكبر حصة للحج تبلغ حوالي 230.000 تأشيرة حج سنويًا، وتعد زيادة ذلك الرقم طموحا وأولوية لدى المسؤولين الإندونيسيين، حيث يضطر بعض مواطنيها للانتظار عشرين سنة للحصول على فرصة لأداء هذه الفريضة.
لذلك نادرا ما تعترض جاكرتا على جهود الرياض الدينية على أرضها خلال العقود الماضية حرصا منها على عدم تعريض حصتها في الحج للخطر.
ولكن تورط الرياض في نزاعات إقليمية أدى إلى تسييس الحج، فقد دعا أئمة في كل من ليبيا وتونس إلى مقاطعة الحج بسبب التدخل السعودي في الحرب الأهلية باليمن.
وختمت الكاتبة بأن تداعيات الإلغاء المحتمل لفريضة الحج هذا العام -والتي تأتي في ظل الخلافات المذكورة آنفا- قد تؤثر على استئناف الحج العام المقبل وربما في السنوات قادمة.