قال مركز جزيرة العرب للدراسات والبحوث إن خطر إلغاء موسمي الحج والعمرة بفعل خطر تفشي جائحة فيروس كورونا يفاقم أزمات المملكة ويزيد عزلتها إسلاميا في ظل تخبط نظام آل سعود وفشل سياساته.
وفرضت تداعيات انتشار فيروس كورونا عالميًا، تحديات كبرى تخطت الإجراءات الاحترازية المحلية لكل دولة، إلى إجراءات احترازية عالمية، أثرت على حركة الملاحة الجوية والبرية والبحرية، وأصابت قطاعات اقتصادية مهمة لبلدان العالم، لا يُظن أن كثير من تلك الدول ستصمد أمامها ما لم تكن قد أعدت العدة مبكرًا لمثل تلك الازمات، أو إنها تتمتع باقتصاد قوي يستطيع امتصاص هذه الصدمة الصحية والاقتصادية، والصمود أمامها دون أن تتهاوى اقتصاداتها.
وذكر مركز الدراسات أن المملكة تأثرت بشكل بالغ من تداعيات أزمة انتشار وباء كورونا من حيث بعدها الاقتصادي والسياحي، لكن التأثير الأكبر هو ما سيأتي لاحقًا من تداعيات مباشرة وغير مباشرة لتلك الازمة تصل إلى مكانتها الدينية في العالم.
عوامل قوة وضعف المملكة اقتصاديًا؟
إذا ما ناقشنا أهم مصادر قوة المملكة اقتصاديًا، سنجدها في قدرتها على تصدير النفط الخام إلى العالم بكميات كبيرة، وتحكُمِها بشكل كبير بسوق النفط العالمي، واحتفاظها بمكانة اقتصادية دولية بسبب ذلك. أما مركزها الديني، فهي تضم أقدس المقدسات بالنسبة للعالم الإسلامي، لا ينازعها في ذلك أحد، كون أراضيها تحتضن الكعبة المشرفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفيها مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقبره الشريف، وتجني المملكة من الحجيج والمعتمرين مليارات عديدة سنويًا.
فمن ناحية تصديرها للنفط وانخفاض أسعاره عالميًا لتأثره بأزمة انتشار وباء كورونا، وحرب الأسعار التي شنتها المملكة ضد روسيا، يمكن أن يفرد لها بحث لوحده. لكن التأثير الآخر الذي يناقشه هذا التقرير، هو ما مدى تأثير إلغاء مناسك الحج والعمرة نتيجة انتشار فيروس كورونا، وتأثيره على المملكة من الناحية الاقتصادية والناحية الدينية التي تتمتع بها.
فقد أشار بيان صادر عن وزير الحج “محمد صالح بنتن” مؤخرًا، دعوته للتريث في إبرام عقود الحج، مما يوحي بأن موسم الحج قد يتم إلغاؤه هذا العام للمرة الأولى في التاريخ الحديث.
ومع علمنا بأن العمرة متوقفة حاليًا، فأين تتجه المملكة إذا ما استمر هذا الحال طويلًا؟
مدخولات المملكة من الحج والعمرة سنويًا؟
تشير التقارير الاقتصادية أن المملكة تجني من الحجيج والمعتمرين القادمين إليها لتأدية مناسكهم، ما لا يقل عن 14 مليار دولار سنويًا، وتعتبر تلك الإيرادات، ثاني أكبر مصدر دخل للسعودية بعد النفط والبتروكيماويات، وتمثل تلكما الشعيرتان الإسلاميتان دوراً حيوياً للغاية في تدفق النقد الأجنبي على المملكة، وتوجد فرص عمل عديدة للمواطنين، وتُحسن ميزان المدفوعات في المملكة، وتمثلان ما يعادل 20% من الإيرادات غير النفطية للمملكة.
وللأسف فبالرغم من كل تلك الإيرادات الكبيرة بالإضافة إلى الإيرادات النفطية، لا يتمتَّع المواطنون السعوديون إلا بالنزر القليل منها، لقيام ولي العهد محمد بن سلمان، بدفع ما يشبه الجزية للرئيس الأميركي دونالد ترامب مقابل الحماية الأميركية، وبدلاً من أن يتم تسخير تلك الأموال لتعزيز رفاهية المواطنين السعوديين، يتمّ ضخّها لدفع عجلة الاقتصاد الأميركي باستثمارات في البنية التحتية الامريكية، وشراء سندات الخزينة والأسلحة، وتوفير فرص العمل للأميركيين، هذا غير المبالغ الخيالية المهدورة في الحروب بالوكالة التي تقودها المملكة في المنطقة العربية.
خسارة المملكة لمكانتها المعنوية عند الشعوب الإسلامية
لكن التأثير الأكبر من إغلاق الأبواب أمام الحج والعمرة في الديار المقدسة، هي خسارة ليست مادية، إنما هي خسارة معنوية ودينية كانت تتمتع بها المملكة منذ تأسيسها في بداية القرن الماضي. فلطالما كانت تمارس المملكة تأثيرها على الحكومات والشعوب الإسلامية، بسبب الرمزية التي تتمتع بها لاحتضانها الكعبة الشريفة ومسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقبره.
وبدأت تلك المكانة تتدهور بفعل الإجراءات والسياسات الهوجاء والمنحرفة التي جاء بها بن سلمان، ثم لحقها وباء كورونا ليكمل انحسار دور المملكة المعنوي وتأثيرها بالشعوب الإسلامية.
ذلك حينما أطلق بن سلمان العنان لتأسيس هيئات الترفيه وأماكن اللهو المحرم في مناطق المملكة، شملت حتى المدن التي تحتوي على الأماكن المقدسة، وتأسيس مدنٍ كاملة تختص بالترفيه واللهو الماجن في أماكن أخرى من المملكة، في تحدي سافر لمشاعر شعب المملكة، ومشاعر المسلمين في العالم الذين ينظرون إلى تلك الديار، إنها ديار مقدسة لا ينبغي ارتكاب المعاصي فيها.
ورغم أن حجة بن سلمان في ذلك، كانت لتنويع الاقتصاد وفتح أبواب جديدة للدخل غير المدخولات النفطية والبتروكيمياويةـ إلا إن تلك المشاريع لم تنجح كما كان يرجوا منها بن سلمان، ولم ترفد الخزينة السعودية بمصادر جديدة للدخل، بل أن الذي حصل هو العكس من ذلك تماما، وصرفت المملكة على تلك المشاريع الترفيهية الفاشلة المليارات العديدة دون جدوى.
شرعية النظام الملكي مهددة
ما موقف المملكة اليوم، حينما يتم إلغاء موسم الحج، ومنع رحلات العمرة على مدار العام، وتخاطر بإغلاق أحد أهم القطاعات غير النفطية لديها، لاسيما وأن آخر التقارير العالمية بخصوص هذا الوباء، تتوقع بقائه كتحدٍ عالمي لمدة طويلة، قبل أن تتم السيطرة عليه وإنتاج لقاحٍ للوقاية منه.
جاء وباء كورونا ليغلق بابا جديدا أمام المملكة، كانت تطل من خلاله إلى العالم لتعزيز مكانتها الروحية وحتى الاقتصادية، وتجردت من أهم ركيزتان كانت المملكة ترتكز عليها للتواصل مع العالم الإسلامي وتجعل قلوب الناس تهفو إليها، وإذا ما أضفناها إلى ما فعله بن سلمان من سياسة تغريب للملكة على كل الأصعدة، فإن المملكة تفقد تلك المكانة شيئًا فشيئا، وربما ستعاني قريبًا من عزلة إسلامية ستكون أشد مما عرفته أية دولة نفطية.
وإذا ما علمنا أن شرعية وجود النظام الملكي الحالي مستمدة وبشكل كبير، من رعاية الحجيج والمعتمرين وإدامة تلك المناسك الدينية الاسلامية، فلا يستبعد -في حال تعطيل تلك المناسك- أن تؤول الأمور إلى تقويض شرعية النظام الملكي بشكل كبير داخليًا، ومكانة المملكة عالميًا، بأحقيتها في إدارة الأماكن المقدسة، وقد يعود الحديث مرة أخرى لتدويل مناسك الحج والعمرة وإدارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة.