أعادت وفاة الناشط الحقوقي البارز عبدالله الحامد في سجنه في لحظة سياسية توصف بالحرجة لأوضاع حقوق الانسان في المملكة، تسليط الضوء على ملف معتقلي الرأي الذي ما أن تحاول سلطات آل سعود تغطيته حتى ينبعث من جديد.
الحامد الملقب بشيخ الإصلاحيين السعوديين والمعروف بمقولة لا صاحب سمو ولا معالي في الإسلام، توفي في سجنه نتيجة لإهمال طبي بعد إصابته بجلطة دماغية.
ووصفت مصادر حقوقية وفاة الحامد بالاغتيال المتعمد من طرف سلطات آل سعود بعد أن تركته إدارة السجن لساعات في غيبوبة قبل نقله إلى المستشفى.
والحامد الذي ناهز عمره 70 عاماً أكاديمياً من خريجي جامعة الأزهر في القاهرة وداعية وناشط حقوقي منذ تسعينيات القرن الماضي، وقد بدأ ذلك النشاط مع ثلة من رفاقه في تأسيس لجنة لحقوق الإنسان في المملكة وبها بدأت قصته مع الاعتقال والتعذيب والمحاكمات كانت سادس هذه التجارب في عام 2013 عندما أثقل القضاء أحكامه ليصل أخره إلى سجنه 11 عاماً.
ومن تابع مسيرة الحامد الإصلاحية كان يدرك أن خطورته في رأي السلطات أنه سعودي غير محسوب على المتشددين، ومن ذلك تصريح الراحل جمال خاشقجي عن الحامد: “غير أجنبي أي أنه ليس بفكر مستورد فكر أوروبي من التربة السعودية السلفية الاسلامية السعودية الخالصة، الحامد مثقف ومتعلم ولكن خلفيته اسلامية راسخة ليست متشددة”.
سمعة الحامد ورفاقه وصلت إلى العالمية حيث لفتت نشاطاته ورغبته في تحويل بلاده إلى مملكة دستورية أنظار المنظمات الحقوقية ومنها لجنة نوبل البديلة التي سارعت إلى تحميل سلطات آل سعود المسؤولية الكاملة عن وفاته علماً أن أعضاء اللجنة لطالما ناشدا المسؤولين السعوديين إطلاق سراحه.
وقد نعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، المعنية بحالات الإعدام خارج القضاء أغنيس كالامار، الحامد، واصفة نبأ وفاته بـ”الخبر الحزين أول أيام رمضان”، في حين وصفته منظمة العفو الدولية “أمنستي”، بـ”البطل الذي لا يعرف الخوف”.
وقالت كالامار في تغريدة على حسابها بموقع “تويتر” “خبر حزين للغاية في أول أيام رمضان وهو وفاة سجين الرأي الشاعر والناشط الحقوقي الدكتور عبد الله الحامد في سجون السعودية”.
وذكّرت بأن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وخبراء أممين دعوا للإفراج عن سجناء الرأي في ظل جائحة كورونا.
وعلى نطاق واسع، تداول نشطاء وأكاديميون ومنصات حقوقية معارضة، نبأ وفاة الحامد إثر إهمال صحي، من بينها حساب “معتقلي الرأي”، الذي يتابع الوضع الحقوقي للسعوديين عبر تويتر، وعبد الله العودة نجل الشيخ الموقوف لدى المملكة سلمان العودة.
واعتبر العودة عبر “تويتر”، وفاة من وصفه بـ”رمز الإصلاح” الدكتور عبد الله الحامد “فاجعة”.
بالتوازي مع ذلك، نشرت منظمة العفو بيانًا على موقعها الإلكتروني، أعربت فيه عن صدمتها لتلقي نبأ وفاة الحامد “أثناء بقائه قيد الاحتجاز بسبب نشاطه السلمي”.
وأضاف أن “الحامد كان بطل حقوق الإنسان في السعودية، لا يعرف الخوف، وكان عازما على بناء عالم أفضل للجميع”.
وتابع: “تعازينا لعائلته وأصدقائه الذين حرموا من وجوده على مدى السنوات الثماني الماضية نتيجة قمع الدولة اللاإنساني”.
والحامد، مؤسس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، وأحد أبرز الوجوه الداعية للإصلاح والمعتقلين السياسيين في تاريخ المملكة الحديث.
وتوفى الحامد بعد مسيرة طويلة من النضال والدفاع عن حقوق المعتقلين، والمطالبة بملكية دستورية وانتخابات ديمقراطية في المملكة إضافة إلى الإصلاح الديني داخل المدرسة السلفية.
ولد الحامد في 12 يوليو/ تموز عام 1950 في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، حيث أتم دراسته النظامية هناك، كما درس في ذات الفترة في المساجد والحلقات العلمية التي تشتهر بها منطقة القصيم، أحد معاقل الحركة السلفية في البلاد.
وأكمل الحامد، والذي يكنى بأبي بلال، دراسته الجامعية في تخصص اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وحصل على درجة الماجستير في عام 1974، ليُعيّن أستاذا مساعدا في ذات الجامعة ومسؤولا عن عدد من الملفات التعليمية والطلابية، ثم حصل في عام 1978 على درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر في مصر، وعاد إلى السعودية ليصبح أستاذاً في الأدب والنقد في ذات الجامعة.
وبقي نشاط الحامد العلني طوال سنوات منحصراً في دائرة الأدب والثقافة واللغة العربية، إذ كتب في كبريات المجلات الأدبية السعودية، وعمل عضوا في “نادي الرياض الأدبي”، وهو أهم صرح ثقافي في البلاد يسمح للأدباء والمثقفين العمل فيه في تلك السنوات.
لكن الظهور الحقيقي للحامد في المجال السياسي والحقوقي بدأ مع “لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية” عام 1993، والتي ساهم في تأسيسها مع كبار قادة المعارضة السعودية فيما بعد، ومنهم الدكتور محمد المسعري والدكتور سعد الفقيه، قبل أن تحظرها سلطات آل سعود وتعتقل مؤسسيها ومن بينهم الحامد، ثم تفرج عنهم بسبب الضغوط الداخلية والخارجية.
وبعد الإفراج عنه، عاد “شيخ المناضلين” هذه المرة من بوابة التنظير للمجتمع المدني من منظور إسلامي وحقوقي، وبدأ بكتابة عدد من المقالات التي تشرح أفكاره المطالبة بالحريات، فاعتقل مرة أخرى عام 1994، ثم اعتقل مرة ثالثة عام 1995 بسبب نشره لكتاب “حقوق الإنسان”، ومُنع من السفر لمدة خمس سنوات حينها.
وكتب الحامد، عام 2003، وثيقة وقع على تأييدها 115 أكاديمياً وسياسياً مهتماً بالشؤون الإصلاحية، عنوانها “الإصلاح الدستوري أولاً”، طالب فيه بملكية دستورية إسلامية، وقُدّمت هذه العريضة لولي العهد آنذاك عبد الله بن عبد العزيز.
ولم تستجب السلطات لهذه الوثيقة، وقامت في أوائل عام 2004 باعتقال عدد كبير من الموقعين عليها، وأخذت عليهم تعهدات بعدم تكرار هذه الفعلة، لكن ثلاثة أشخاص رفضوا التوقيع على التعهدات، وهم الدكتور عبد الله الحامد والدكتور متروك الفالح والأديب علي الدميني، لتحيلهم السلطات إلى المحاكمة في ما عُرف بقضية “الإصلاحيين الثلاثة”، حيث اتُهموا بـ”إعداد بيانات مناهضة للدولة”.
وأصدرت المحكمة حكماً بالسجن على الحامد مدة 7 سنوات، قضى منها سنة ونصف السنة في السجن، قبل أن يتولى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز مقاليد الحكم ويصدر عفواً عن المتهمين، ومن بينهم الحامد، الذي امتنع عن مقابلة الملك والسلام عليه كما فعل بقية المتهمين الذين أُعفي عنهم.
واعتُقل الحامد مرة أخرى في عام 2008، نتيجة نشاطه في المطالبة بالإفراج عن المعتقلين، لكن الحدث الفارق في حياته هو تأسيسه “جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية”، والتي عرفت اختصاراً باسم “حسم” عام 2009، ودعت هذه الجمعية العاهل السعودي إلى تشكيل برلمان حرّ وإجراء انتخابات نزيهة، واكتسبت زخماً كبيراً مع أحداث “الربيع العربي” أواخر عام 2010، لتسارع السلطات السعودية إلى اعتقال مؤسسيها.
وحكمت سلطات آل سعود في عام 2013 على الحامد بالسجن مدة خمس سنوات، كما قامت بإعادة تفعيل عقوبة السجن التي صدرت بحقه في عام 2004، ليصبح مجموع أحكام سجنه 11 عاماً، في محاكمة أدانتها المنظمات الحقوقية العالمية لعدم شفافيتها، وحصلت على انتباه المجتمع السعودي، وردّد فيها الحامد وهو يسمع نطق القاضي بالحكم عليه “النهر يحفر مجراه”.
وتعرض الحامد للمضايقات الصحية والنفسية في سجن الحائر بالرياض، حيث مُنع من العمل على كتبه، كما لم تقدم له السلطات الرعاية الصحية الكافية رغم كبر سنه (70 عاماً)، وهو ما أدى إلى وفاته بعد دخوله في غيبوبة لمدة أسبوعين، وفق ما يقول حقوقيون سعوديون.
وبوفاة الحامد يسدل الستار عن أهم المفكرين الحقوقيين الإسلاميين الداعين للمجتمع المدني في الخليج العربي، حيث ترك الحامد نتاجاً ضخماً من الكتب التي أكدت التوفيق بين الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، وكتب عشرات الردود على العلماء الرسميين في البلاد، ومن أهم كتبه “حقوق الإنسان بين الإسلام وغبش الفقهاء والحكام” و”ثلاثية المجتمع المدني” و”الكلمة أقوى من الرصاصة” و”المشكلة والحل”.