في ضربة دبلوماسية كبيرة لإسلام آباد، رفض ولي العهد محمد بن سلمان – المتخفي عن الأنظار منذ جائحة كورونا – مقابلة قائد الجيش الباكستاني “قمر جاويد باجوا” الذي حضر للرياض قبل أيام برفقة مدير عام وكالة الاستخبارات الداخلية الفريق فايز حميد.
وكانت الزيارة تهدف إلى نزع الخلاف الدبلوماسي واستعادة العلاقات الجيدة بين البلدين بعد توترها على خلفية انتقاد وزير الخارجية الباكستاني المملكة بعد إلغاء الهند الحكم الذاتي الممنوح لإقليم كشمير دون معارضة تذكر من الرياض.
وأفاد موقع صحيفة “زي نيوز” الباكستاني بأن بن سلمان رفض طلب قدمه قائد الجيش الباكستاني لمقابلته، وبدلا من ذلك اقتصر تواجده في المملكة على مقابلة نائب وزير الدفاع خالد بن سلمان، لينقل له رسالة من رئيس الوزراء الباكستاني تحمل اعتذارا عن تصريحات وزير الخارجية.
ووفق مسؤولون في إسلام آباد، فإن تصرف ولى العهد يُنظر إليه باعتباره ازدراء متعمدا للمبادرة الباكستانية الرامية لنزع الخلاف، كما لا تدع أي مجال للشك بفشل مهمة قائد الجيش الباكستاني في الرياض.
وقالت صحيفة “زي نيوز” إن المملكة أبلغت باكستان بأن أي تعاون بين إسلام آباد وأنقرة غير مقبول للرياض على الإطلاق، بما في ذلك عرض المسلسل التليفزيوني التركي “أرطغرل” على التليفزيون الباكستاني.
كما قالت السعودية إن إسلام آباد يجب أن تستنكر أي محادثات لإنشاء تكتل مكون من باكستان وتركيا وماليزيا وإيران.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أن المملكة هددت حال رفض باكستان طلباتها بأنه قد تلغي استثمارا سعوديا بقيمة 20 مليون دولار في ميناء جوادر، كما هددت الرياض أيضا بإلغاء جميع المساعدات التي سبق أن تعهدت بها لباكستان، وإمدادات النفط ذات الدفع المؤجل.
وهددت الرياض أيضا باستجلاب آلاف العمال من الهند بموجب رؤية 2030، وفي المقابل ربما تأمر العمال الباكستانيين غير الضروريين بمغادرة البلاد.
كما طالبت الرياض رئيس الوزراء الباكستاني باتخاذ إجراءات صارمة ضد وزير الخارجية الباكستاني في أسرع وقت.
وذكرت “زي نيوز” أن في الوقت الذي اجتمع فيه قائد الجيش الباكستاني بنائب وزير الدفاع السعودي، كان وزير الخارجية الباكستاني يجتمع مع سفير دولة قطر لدى بلاده، الشيخ “سعود بن عبدالرحمن آل ثاني”.
وينظر إلى تعيين المبعوث القطري الجديد، الذي ينتمي للعائلة المالكة، بأنه يعكس اهتمام قطر بتوسيع العلاقات مع باكستان.
وفي غضون ذلك، من المقرر أن يغادر وزير الخارجية الباكستاني بلاده، متوجها إلى العاصمة الصينية بكين لإجراء مناقشات على المستوى الاستراتيجي مع نظرائه الصينين، وذلك بعد أيام من تأكيد “عمران خان” أن مستقبل باكستان مرتبط بمستقبل حليفتها القديمة الصين.
وفي وقت سابق، قال وزير الخارجية الباكستاني “شاه محمود قرشي” بعد إحجام منظمة التعاون الإسلامي، مقرها السعودية، عن عقد اجتماع رفيع المستوى بشأن كشمير: “إذا لم يتمكنوا من عقده فسأكون ملزما بالطلب من رئيس الوزراء عمران خان الدعوة لاجتماع للدول الإسلامية التي لديها استعداد للوقوف معنا في قضية كشمير ودعم الكشميريين المقموعين”.
وعلى أثر ذلك الخلاف، طالبت الرياض إسلام آباد، بسداد مبكر لقرض قيمته 3 مليارات دولار كانت منحته للأخيرة عام 2018؛ لمساعدتها في تجاوز أزمة ميزان المدفوعات.
ويهدد النزاع ميزان المدفوعات الخارجية لباكستان، كما أن البنك المركزي لديه فقط 12.5 مليار دولار.
كما اضطرت باكستان إلى تعليق برنامج صندوق النقد الدولي بقيمة 6 مليارات دول، بالتزامن مع مواجهتها للتداعيات الاقتصادية لوباء فيروس “كورونا”.
وفى وقت سابق نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن مسؤول حكومي كبير في إسلام آباد قوله إن الصين أقرضت باكستان على الفور مليار دولار، في أعقاب قرار السعودية بقطع المساعدات، وربما تقدم بكين المزيد.
وأضاف المسؤول: “في عضون ساعات وليس أيام من مطالبة السعودية باكستان بسداد القرض، عرضت الصين تقديم مليار دولار، لقد أثبتت الصين بما لا يدع مجالا للشك أن لديها التزاما صارما بمستقبل باكستان وازدهارها ورفاهيتها”..
يذكر أن عدة مؤشرات سلطت الضوء على التوتر المكتوم الذي تشهده علاقات المملكة وباكستان؛ بسبب خلافات في العديد من الملفات وأبرزها أزمة إقليم كشمير.
ومن هذه المؤشرات انتقادات مفاجئة من قبل مسؤولين باكستانيين لمنظمة التعاون الإسلامي، التي تتخذ من السعودية مقرا لها، وتقارير عن سحب الرياض دعمها المالي لإسلام آباد، إضافة إلى سداد باكستان قرضا للمملكة قبل موعد استحقاقه.
فبعد قرار الحكومة الهندية إلغاء المادة 370 من الدستور التي تمنح إقليم كشمير المتنازع عليه وضعا خاصا، عبرت باكستان في مناسبات عدة عن احباطها بشأن موقف منظمة التعاون الإسلامي حيال القضية.
وقد جددت المنظمة بدورها، في أحدث بيان حول القضية بمناسبة مرور عام على صدور القرار الهندي، دعوتها إلى تسوية النزاع وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وفي نبرة غير معتادة، شن وزير الخارجية الباكستاني “شاه محمود قريشي” هجوما حادا على المنظمة، الأسبوع الماضي، خلال حديث لقناة “أري نيوز” المحلية، منتقدا ما سماه “عدم اكتراث” المنظمة وتأجيلها الدائم لعقد اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء من أجل دعم الكشميريين.
وقال قريشي إن بلاده قد تلجأ للبحث عن حل لقضية كشمير بعيدا عن المنظمة.
وأضاف قريشي: “إذا فشلت منظمة التعاون الإسلامي في عقد ذلك الاجتماع، فسنعقد اجتماعا خارج إطار المنظمة. باكستان لا يمكنها الانتظار أكثر. نحن لا نستطيع أن نصمت بعد الآن بشأن معاناة الكشميريين”.
على الجانب الآخر، تشهد الروابط بين المملكة والهند، الخصم التقليدي لباكستان، نشاطا ملحوظا في السنوات الأخيرة، خاصة بعد زيارة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” إلى نيودلهي في فبراير/شباط 2019، والتي سعى خلالها إلى توسيع التجارة غير النفطية بين البلدين، معربا عن أمله في زيادة الاستثمارات بالهند إلى 100 مليار دولار خلال عامين.
وبعد أيام من القرار الهندي بإلغاء الوضع الخاص بقضية إقليم كشمير، وقعت شركة “أرامكو” السعودية للنفط اتفاقا مع الهند بقيمة 15 مليار دولار؛ ما أثار غضب أوساط باكستانية كانت تنتظر موقفا سعوديا مساندا بشكل واضح لبلادهم.
وهو الأمر الذي لم يحققه بيان الخارجية السعودية الذي حض “طرفي النزاع” في كشمير على المحافظة على السلام والاستقرار والعمل على التوصل إلى تسوية سلمية وفقاً للقرارات الدولية.