يتفق مراقبون سعوديون ودوليون، أن المسؤول الأمني السابق سعد الجبري، فضح ولى العهد محمد بن سلمان دوليا قانونيا ودبلوماسيا، إثر الدعوى القضائية التي تقدم بها إلى المحاكم الأمريكية، وكشف خلالها اعتقال أطفاله ونجاته من عدة محاولات للاغتيال.
ودفعت أدلة ومسندات الجبري، محكمة واشنطن، بإصدار أمر استدعاء لولى العهد و13 عنصرا أمنيا من فرقة “النمر” التي حاولت اغتيال الجبري في الولايات المتحدة الأمريكية وأخرى في كندا وثالثة في تركيا.
وفي تطور جديد، قدم محاميي المسؤول الاستخباراتي لمحكمة واشنطن، وطالبوها بحفظ سريتها لاحتوائها على معلومات شائكة.
وينتظر أن تنتهي، في 28 من الشهر الجاري، المهلة التي منحتها محكمة واشنطن لولي العهد وفريقه، للرد على التهم التي وجهها لهم الجبري.
ونشرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، في 11 من الشهر الجاري، صوراً لوثائق محكمة واشنطن التي تنص على استدعاء بن سلمان و13 آخرين، وأظهرت موعداً نهائياً لهم للرد على الدعوى.
وجاء في نص مذكرات الاستدعاء الموجهة إلى “بن سلمان” والـ13 الآخرين، أنه “تم رفع دعوى قضائية ضدك. في غضون 21 يوماً بعد إرسال هذا الاستدعاء إليك (دون احتساب اليوم الذي تلقيته فيه)… يجب أن تقدم للمدعي رداً على الشكوى المرفقة أو التماساً بموجب المادة 12 من القواعد الفيدرالية للإجراءات المدنية”.
ويعتبر الاستدعاء إخطارا رسمياً بوجود دعوى قضائية، يدعو الأفراد الذين تتم مقاضاتهم للمثول أمام المحكمة.
وتتهم الدعوى ولي العهد بتشكيل فريق لترتيب قتل الجبري خلال إقامته في مدينة بوسطن الأمريكية عام 2017، ومحاولته على مدى أشهر نشر عملاء سريين في الولايات المتحدة في محاولة لتعقب مكان الضابط السابق، وتطالبه بتعويضات.
وعندما فشلت تلك المحاولات أرسل “بن سلمان” فريقا آخر لاغتيال الجبري في كندا، بعد أسبوعين فقط من اغتيال “خاشقجي”، حسب الدعوى، التي تضمنت أوراقها نص رسالة من ولي العهد السعودي يطلب فيها من ضابط المخابرات السعودي السابق العودة للمملكة خلال 24 ساعة وإلا سيقتل.
وتقول الدعوى إن استهداف الجبري يعود إلى اعتقاد ولي العهد السعودي بأن علاقات الضابط السعودي السابق الوثيقة مع مجتمع الاستخبارات الأميركي تقف في طريقه لتعزيز النفوذ والسلطة بين المسؤولين في واشنطن.
وحسب مستندات الدعوى، فإن الجبري علم من أصدقائه الأمريكيين بوجود تهديدات ذات مصداقية جعلته يخشى على سلامته ويفر من المملكة.
ورأي الأكاديمي السعودي د. سعد الفقيه، أن الأهم في القضية أن الدعوى القضائية قبلتها المحكمة الأمريكية للنظر بجرائم بن سلمان وتوجيه الاتهام إليه.
وأشار الفقيه إلى أن بن سلمان سيحاول تجاهل الدعوى القضائية، لإصدار حكمها غيابيا، عدا عن محاولته الحصول على حصانة أمريكية للهروب من محكمة واشنطن.
وأكد أن ولى العهد إن استطاع الحصول على حصانة أمريكية، فلن يستطيع الحصول على ذات الحصانة للأعضاء الآخرون المتهون في ذات القضية.
وأشار الفقيه إلى الدعاوى القضائية ضد بن سلمان كقضية الصحفي جمال خاشقجي، وقضية التجسس على “تويتر”.
وقال: الجبري موال جدا لآل سعود، ومشكلته الحقيقة تكمن مع ولى العهد فقط، ولذلك وظف أمهر شركات القضاء الأمريكي، لملاحقة وإيذاء الأخير فقط.
ومن وجهة ضابط الاستخبارات الأمريكية السابق دوغلاس لندن: فإن الجبري شخصية مهمة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية والغربية.
وذكر دوغلاس أن هناك علاقات وثيقة بين بن سلمان والإدارة الأمريكية، لافتا إلى أن الاستخبارات الأمريكية طالبت تكرارا إدارة ترامب بقطع هذه العلاقة ومحاكمة الأمير السعودي.
وتوقع دوغلاس أنه لن يوقف أي أحد ولى العهد – إن حاول السفر إلى واشنطن – مشيرا إلى أن إدارة ترامب لن ترفع الحصانة عن المتهم المذكور.
وقال إن خطوات الجبري ذكية، للضغط على بن سلمان، للإفراج عن أطفاله المعتقلين.
وتوقع دوغلاس أن يكشف الجبري عن بعض ملفات الفساد المتعلقة بولي العهد وعائلة آل سعود.
وقال إن الجبري يعلم ماذا يفعل؟ وهو حاليا يلعب على وتر العلاقات الأمريكية السعودية؛ كونه يعلم طبيعة العلاقات بين ترامب وبن سلمان.
وأضاف دوغلاس أن خطوات الجبري جاءت جزء من حسابات ذكية؛ كونه يعلم أن أطفاله في خطر، وأنه يريد أن تتم الأمور مع ولى العهد الحالي فقط دون الإساءة للآخرين.
من جهته، نوه رئيس مؤسسة المصلحة الوطنية في واشنطن خالد صفوري، إلى أن إدارة ترامب لم يبقى على ولايتها الزمنية سوى بضعة أشهر، مشيرا إلى أن الانتخابات الأمريكية المقبلة ستعقد في نوفمبر 2020.
ورأي صفوري أن الحماية والحصانة التي وفرتها إدارة ترامب – لن تدوم لولى العهد – وبعد أشهر سيغادر ترامب البيت الأبيض، مستبعدا أن تدوم هذه الحصانة.
وأشار إلى محاولات برلمانيون في الكونغرس الأمريكي ملاحقة ولى العهد في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل سفارة المملكة في 2 أكتوبر 2018م.
وقال صفوري إن القضية معقدة، معربا في الوقت ذاته، ثقته بالقضاء الأمريكي.
وخلص صفوري إلى أن الدعوى القضائية المذكورة ليست في صالح ولى العهد، وهناك الكثير من الأمور التي ستكشفها هذه المحاكمة والتي تسئ للملكة، داعيا ولى العهد للخضوع لطلبات الجبري.
والجبري حاصل على درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر من “جامعة الملك فهد للبترول والمعادن” أواخر الثمانينيات، ثم على شهادة دكتوراه في الذكاء الاصطناعي من جامعة “إدنبرة” عام 1997.
وشغل منصبه الأمني الرفيع في وزارة الداخلية السعودية نحو أربعة عقود ترقى فيها إلى رتبة لواء، كان خلالها اليد اليمنى لوزير الداخلية وولي العهد السابق محمد بن نايف الذي يقبع حاليا في السجن.
الجبري كان الأكثر تواصلا مع الولايات المتحدة في ما يخص قضايا مكافحة “الإرهاب” لأكثر من 15 عاما منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر عام 2001.
وصفه صحفيون غربيون بأنه كان من أهم ضباط المخابرات في السعودية، وخبيرا في مجال الذكاء الصناعي، ولعب دورا محوريا في معركة السعودية ضد تنظيم “القاعدة” والتنسيق الأمني مع أجهزة المخابرات الغربية، وكان على تواصل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي أي أيه) حول العراق وسوريا وإيران واليمن.
عاش الجبري بعيدا عن الأضواء في كندا منذ أن انتقل إليها عام 2017 ملتزما الصمت، لكن بعد اعتقال ابنه (عمر) وابنته (سارة) في آذار/مارس الماضي كسر صمته وتحدث إلى وسائل الإعلام حول مشكلته العالقة مع ولى العهد.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن المسؤول السابق في “سي أي أيه” والمسؤول حاليا في “معهد بروكيينغز” بروس ريدل قوله إن امتلاك وزارة الداخلية السعودية جهازا ضخما للرقابة الأمنية جعلها مستودع الأسرار في السعودية بما في ذلك أسرار أفراد الأسرة المالكة والفساد والجريمة”.
وأضاف: “إن ملفاتها تحتوي على معلومات عن كل التصرفات غير اللائقة”.
ووجد الجبري نفسه وسط الصراع داخل العائلة الحاكمة في السعودية. كما أنه عارض ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي كان يحتل منصب وزير الدفاع حين أعلن الحرب على اليمن تحت اسم “عاصفة الحزم”.
وأعلن الجبري عن رأيه صراحة بالحرب قائلا إنها “مكلفة وغير مضمونة النتائج”.
وحين أقيل بسبب موقفه هذا أواخر عام 2015 لم يعرف بالقرار إلا بعد إعلان التلفزيون السعودي خبر إقالته من وظيفته بعد لقائه بمدير المخابرات المركزية الأمريكية حينذاك جون برينان في واشنطن دون معرفة ولي العهد السعودي.
وبعد عودته صدر قرار بإقالته عبر مرسوم ملكي، سافر بعدها مع معظم أفراد أسرته عبر ألمانيا إلى الولايات المتحدة. وبعد الإطاحة بالأمير نايف وحجز أرصدته ووضعه رهن الإقامة الجبرية عام 2017 خشي الجبري أن يلقى نفس المصير ففضل البقاء في الخارج ولم يعد إلى السعودية أبدا.
وتقول علقت مقررة الأمم المتحدة أنييس كالامار التي تتابع حالات الإعدام التعسفي عبر حسابها الرسمي في موقع ” تويتر”: “إن ما نشر عن محاولة النيل من الجبري لم يفاجئها.. عملية اغتيال خاشقجي لم تكن أول عملية خاصة لفريق اغتيال سعودي ولن تكون الأخيرة”.
وتبدو قضية الجبري عالقة بين المحاكم وبين الاتصالات التي حاول ولي العهد السعودي القيام بها لإقناع الجبري بالعودة إلى الرياض لـ”التفاهم”، ولن يكون البدء في النظر بالقضية على وقع الانتخابات الرئاسية الأمريكية لصالح الرياض بأي حال من الأحوال.