منذ هروب ضابط الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري من بلاده سرا عام 2017م، يلاحقه ولى العهد محمد بن سلمان عبر طرق استخباراتية وأخرى دولية في محاولة لاستدراجه واغتياله وتقطيع جثمانه.
ولم يكتف بن سلمان بهذا الأمر، فاعتقل أبناء الجبري (سارة وعمر) وشقيقه منذ مارس/ آذار 2020 في محاولة للضغط عليه وتصفية الحسابات الأمنية معه، ولقطع محاولات فضحه دوليا وأمام الإدارة الأمريكية.
وفي خطوة مفاجئة من أول مسؤول سعودي سابق، أقدم الجبري – مستشار ولى العهد السابق الأمير محمد بن نايف – على رفع دعوى قضائية في محكمة أميركية، اتهمه فيها بمحاولة استدراجه واغتياله على طريقة جمال خاشقجي.
مستندات الدعوى القضائية التي رفعها الجبري، يتهمه فيها بأنه أرسل فريقا لاغتياله في أميركا وكندا سعيا وراء تسجيلات مهمة.
وتتهم الدعوة ولي العهد السعودي الذي تشير إليه بمحمد بن سلمان، بتشكيل فريق لترتيب قتل الجبري من ثلاثة أشخاص هم بدر العساكر وسعود القحطاني وأحمد العسيري، وكلهم من كبار مساعديه.
وتؤكد الدعوة أن بن سلمان أرسل فريقا لاغتياله خلال إقامته في مدينة بوسطن الأميركية عام 2017، وأنه حاول على مدى أشهر نشر عملاء سريين في الولايات المتحدة في محاولة لتعقب مكان الضابط السابق.
وبعد فشل تلك المحاولات أرسل ولي العهد السعودي فريقا آخر لاغتيال الجبري في كندا، وذلك بعد أسبوعين من اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وتضمنت الدعوى القضائية نص رسالة من ولي العهد السعودي يطلب فيها من الجبري العودة خلال 24 ساعة وإلا سيقتل.
وتشير أوراق الدعوى إلى أن سعد الجبري يتهم محمد بن سلمان بالسعي لقتله لمنعه من تقويض علاقاته الخاصة مع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس دونالد ترامب.
وتقول الدعوى إن استهداف المدعى عليه بن سلمان للجبري يؤثر بصورة مباشرة على المصالح الأميركية، لأن ولي العهد السعودي يرى أن علاقات الجبري الوثيقة مع مجتمع الاستخبارات الأميركي تقف في طريقه لتعزيز النفوذ والسلطة بين المسؤولين في الحكومة الأميركية.
وأضافت أن سعد الجبري شكل تلك العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة بعد أن جعل السعودية أحد أهم شركاء واشنطن في مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي وداخل المنطقة.
وتقول أوراق القضية إن “رغبة المدعى عليه بن سلمان في تعطيل هذه العلاقات من خلال القضاء على الجبري كانت واضحة، وبدأت عندما جرده من منصبه في الحكومة السعودية لاجتماعه مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) جون برينان في مايو/أيار 2017”.
وأضافت المستندات أن الجبري علم من أصدقائه الأميركيين بوجود تهديدات ذات مصداقية جعلته يخشى على سلامته ويفر من المملكة السعودية.
وكانت صحيفة واشنطن بوست كشفت أن الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول) رفضت طلبا سعوديا باعتقال الجبري أوائل يوليو/تموز 2018، ووصفت الطلب بأنه ذو دوافع سياسية.
وذكرت الصحيفة أن الإنتربول اعتبر حظر السفر على عائلة الجبري غير مبرر، وأن للقضية دوافع سياسية وليست قانونية.
وطبقا لمعلومات مؤكدة، يعتقد المدعى عليه بن سلمان أن الجبري مسؤول عن استنتاج وكالة الاستخبارات المركزية، الذي تم تسريبه في ديسمبر/كانون الأول 2018، بأن بن سلمان أمر شخصيا بقتل جمال خاشقجي.
وتقول المستندات إن “هذا الاستنتاج أدى إلى تلويث سمعة المتهم بن سلمان بصورة بالغة في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، وبناءً على ذلك، اعتبر بن سلمان الجبري تهديدا لمكانته في الولايات المتحدة ولا بد من القضاء عليه”.
وتشير أوراق الدعوة إلى أن بن سلمان حاول قتل الجبري في دول عدة، كما حاول استدراج الجبري للعودة إلى السعودية أو للسفر إلى تركيا حيث يمكن قتله بسهولة، وعندما فشل في ذلك خطف أبناءه وأقاربه وعذبهم في محاولة للضغط عليه لإجباره على العودة للسعودية.
وتستند الدعوة إلى صلاحية المحكمة الفدرالية في النظر للقضية لأن الانتهاكات التي تعرض لها الجبري تخالف المعايير الدولية وقانوني حماية ضحايا التعذيب (TVPA) والضرر الأجنبي (ATS).
ويمكن لهذه المحكمة أن تبدأ محاسبة المدعى عليه محمد بن سلمان ووكلائه على أفعالهم، ومساءلتهم عن أسباب عبور الحدود الدولية، بما في ذلك الوصول إلى الولايات المتحدة، لمطاردة وقتل رجل طالما اعتمدت عليه الولايات المتحدة للحفاظ على سلامة المواطنين الأميركيين والذي يتم استهدافه على وجه التحديد بسبب علاقته مع الولايات المتحدة.
وتطالب الدعوى التي رفعها ضابط الاستخبارات السعودي السابق، بتعويضات من محمد بن سلمان ومقربين منه لتدبيرهم محاولة الاغتيال.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن الدعوى التي تقدم بها الجبري –أول مرة يقوم فيها مسؤول سعودي سابق باتهام محمد بن سلمان- الحاكم الفعلي للمملكة.
وأكدت الصحيفة الأمريكية أن الدعوى القضائية هي أحدث رد فعل في معركة تدور منذ سنوات بعد أن سيطر بن سلمان على بنية السلطة في المملكة، ومحاولته تثبيت دعائم سلطته.
وعمل الجبري لعدة سنوات كمساعد لولي العهد السابق محمد بن نايف، والذي عمل وزيرا للداخلية والتي تشرف على الأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب. وهو ما منح الجبري الفرصة للعمل مع المسؤولين الأمريكيين والدول الأخرى.
ومن وجهة نظر، خالد نجل سعد الجبري في تغريدة على حسابه في “تويتر” فإن العائلة استنفدت السبل الودية لحل القضية، وإنه لم يبق لهم سوى إحقاق العدالة والمحاسبة عبر القضاء الأميركي.
وأعرب عن أمله في أن تساهم الدعوى القضائية في حماية والده ولمّ شمل عائلته والإفراج عن أخته سارة وأخيه عمر.