قال المحلل والكاتب الفلسطيني مروان بشارة: إنه مع اقتراب الذكرى الثانية لاغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، تواصل سلطات آل سعود تراجعها، وتفقد الاتجاه والنفوذ في منطقتي الخليج والشرق الأوسط، وينذر توجهها نحو إسرائيل بمغامرة جديدة ستكون باهظة الثمن.
وأشار بشارة إلى أن سلطات آل سعود، بعد أكثر من 50 عاما على في صعودها إلى الصدارة الإقليمية والدولية باعتبارها العضو الرائد في منظمة “أوبك”، ومنظمة التعاون الإسلامي، وموطن أقدس المواقع الإسلامية، وثاني أكبر احتياطي نفطي بالعالم، تجد نفسها الآن في انحدار مستمر، بسبب سياسات ولي العهد محمد بن سلمان.
وأكد أن السنوات الخمس الماضية كانت مؤلمة ومدمرة بشكل خاص، فما بدأ كمحرك واعد وطموح من قبل الأمير الميكيافيلي محمد بن سلمان، سرعان ما تحول إلى مشروع متهور.
واعتبر أن بن سلمان يسترشد بـ”معلمه الميكافيلي الآخر، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، مردفا: “وللمفارقة لا شيء يشهد على تراجع السعودية الآن أكثر من الصعود المفاجئ لشريكتها الأصغر كقوة إقليمية عدوانية (الإمارات)، والتدخل في ليبيا وتونس ودعم الديكتاتوريين ومجرمي الحرب، مثل عبدالفتاح السيسي في مصر، وبشار الأسد في سوريا.
ويضيف: “مع شل الرياض بسبب الضربات الذاتية في الغالب، كانت أبوظبي تندفع بتهور إلى الأمام وتجر المملكة العربية السعودية معها ويهددها بدفع الثمن “.
وتابع بشارة في مقاله بـ”الجزيرة الإنجليزية”: “يتضح هذا أيضًا في دعم محمد بن سلمان لمناورة محمد بن زايد لربط أمن الخليج بـإسرائيل كوسيلة لحماية حكمهم ونفوذهم الإقليمي”.
ويعتبر مقدم برنامج إمباير في قناة الجزيرة الإنجليزية. أن ما حدث هو “انعكاس مذهل للأدوار، بالنظر إلى أن السعودية بدأت صعودها على الصعيدين الإقليمي والعالمي في أواخر الستينات، قبل ظهور الإمارات”.
فقد بدأ محمد بن سلمان حرب اليمن، بتوجيه من “بن زايد” وكان يعد بنصر سريع، لكن الحرب استمرت لسنوات، ولم تلح نهاية في الأفق، واستهدف الحوثيون السعودية وكبرياءها فيما دفعت المملكة الثمن باهظا.
وفي يونيو/حزيران 2017، اختلق محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أزمة مع دولة قطر المجاورة بدعوى وهمية بمكافحة “الإرهاب” والتدخل الأجنبي من أجل فرض نظام مطيع جديد يلتزم بإملاءاتهما.
ومع ذلك، تراجعت إدارة ترامب عن دعمها الأولي للانقلاب المخطط له هناك، وما كان من المفترض أن يكون انتصارًا سريعًا تسبب في حدوث انقسام كبير في وحدة الخليج لن يكون من السهل إصلاحه.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، استدرج بن سلمان رئيس وزراء لبنان سعد الحريري -وهو يحمل الجنسيتين اللبنانية والسعودية- إلى الرياض، وأجبره على تقديم استقالته عبر التلفاز، وأدت هذه الخطوة إلى نتائج عكسية تسببت في غضب دولي وجعل النظام السعودي يبدو أكثر حماقة.
ثم جاءت جريمة الاغتيال المريع للصحفي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 لتضيف ذروة الأزمة للسعودية عالميا.
واستطرد: هكذا، وبعد سنوات قليلة فقط من تولي الملك “سلمان” السلطة ووضع ابنه الصغير على طريق العرش، أصبحت السعودية معروفة بالعنف الوحشي والتهور بدلاً من عملها الخيري السخي ودبلوماسيتها البراجماتية.
ويبدي بشارة تعجبه قائلا: “بدلاً من عكس سياساته المدمرة، وإنهاء الحرب في اليمن، والمصالحة مع قطر، وتعزيز الوحدة الخليجية والعربية لتحييد إيران، كان ولي العهد السعودي يوطد التحالف السري مع إسرائيل لتمهيد الطريق نحو التطبيع الكامل مع الاحتلال”.
وأكد أن التقارب الدبلوماسي والاستراتيجي السعودي، الذي ينتوي “بن سلمان” صنعه مع إسرائيل قد يكون بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
واستطرد: “إسرائيل لن تضحي بجنودها لحماية أمن الخليج من إيران، كما هو متصور، وأقصى ما يمكن أن تقدمه تل أبيب لتلك الدول بعض الخبرة والتكنولوجيا والأسلحة بسعر مخفض من قبل القوى العالمية”.
ويضيف: “نعم، قد تكون إسرائيل سعيدة ومتحمسة للانضمام إلى (الرابطة السعودية الإماراتية المناهضة للديمقراطية)، لكن هذا سيأتي بنتائج عكسية، بالنظر إلى درجة النفور العربي الذي قد تثيره”.
ويتابع: “بعد عقود طويلة من الاحتلال والقمع للفلسطينيين، لا تزال إسرائيل هي العدو لمعظم الناس في المنطقة، حيث ترى الغالبية العظمى من العرب أنها تشكل تهديدًا للأمن والاستقرار الإقليميين”.
ورأي بشارة: “نعم، قد تكون إسرائيل قادرة على مساعدة النظام السعودي الفاسد في واشنطن، وبشكل أكثر تحديدًا في الكونجرس الأمريكي، لكن ذلك سيكون له ثمن باهظ، بما في ذلك إذعان السعودية الكامل للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية”.
وأكمل: “بعبارة أخرى، قد تكون مقامرة محمد بن سلمان على إسرائيل حمقاء مثل مقامراته الأخرى لأنها ستشكل عبئًا أكثر من كونها رصيدًا للمملكة”.
وختم بشارة: إذا لم تستطع الولايات المتحدة و”ترامب” نفسه إنقاذ السعودية بقيادة محمد بن سلمان من التدهور الوشيك، فيمكنك أن تكون على يقين من أن إسرائيل لن تكون قادرة على ذلك أيضًا.