محمد بن سلمان انقلب على صيغة التوافق العائلي لحكم المملكة
يعزز محمد بن سلمان قبضته على الحكم في المملكة منذ توليه منصبه وليا للعهد صيف عام 2017 في ظل ممارسات قمعية ووحشية، فيما يتوقع خبراء أن تكون قيادة ولي العهد للمملكة إيذانا بسقوط حكم آل سعود.
ويجمع مراقبون أن بن سلمان أحكم قبضته على المؤسسات الحاسمة في جميع أنحاء الدولة السعودية بشكل منفرد، وبعيدا عن صيغة التوافق العائلي التاريخية بين أبناء آل سعود، إضافة إلى عدم وجود أي قيادة من العائلة المالكة يمكنها تحديه.
وفي هذا الإطار، يعتقد “سامي العريان” مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية (CIGA) في جامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، أن القتل المشبوه لـ”عبدالعزيز الفغم”، الحارس الشخصي للعاهل السعودي الملك “سلمان بن عبدالعزيز” يأتي في إطار إضافة “بن سلمان” ضحية جديدة إلى قائمة الذين تجرؤوا على إعطاء الأولوية لمصالح المملكة على طموح ولي العهد الشخصي، في إشارة إلى ولاء “الفغم” التاريخي لآل سعود.
وأعلنت سلطات آل سعود أن “الفغم” قُتل بالرصاص على يد أحد أصدقائه بسبب خلاف شخصي بينهما بجدة في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، لكن العديد من المراقبين وناشطي وسائل التواصل الاجتماعي شككوا في تلك الرواية الرسمية.
ولذا يرى “العريان” أن “بن سلمان” ليس الشخص المناسب لقيادة المملكة، فهو “مستعد للقيام بأي شيء لتحقيق طموحه، بما في ذلك القتل والتشويه والتعذيب”، حسب قوله.
وأضاف أن خطة “التحديث” التي يتبناها ولي العهد تقوم على تهميش أو إسكات الزعماء الدينيين المحافظين، إضافة إلى الحرس القديم للمملكة، تزامنا مع انفراده بالحكم دون باقي العائلة المالكة، ما ينذر بتآكل الشرعية التاريخية للدولة التي ظلت حريصة على صيغة المجتمع ذي العقلية الدينية، مستخدمة التفسير الوهابي للإسلام للحفاظ على “علاقاتها القبلية” منذ تأسيسها عام 1932.
وأشار “العريان” في هذا الإطار، إلى المكانة القبلية الكبيرة لـ”الفغم” بالمملكة، ما يعني أن “بن سلمان” يخسر زعماء القبائل تدريجيا” وهو ما قد “يعجل بانهيار المملكة”، حسب تعبيره.
ويعد شمول قمع نظام “بن سلمان” للعلمانيين والليبراليين السعوديين وتركيز إصلاحاته على نشاطات “الترفيه” دليلا على أنه غير قادر على تطوير أي صيغة متوازنة ومستقرة للحكم، بحسب “العريان”.
ولذا رجح مدير مركز الإسلام والشؤون الدولية بجامعة صباح الدين زعيم أن “بن سلمان” لن يحافظ على المملكة و”ربما يكون آخر ملوكها؛ لأن التغييرات السريعة التي يقوم بها الآن ستؤذيه، خاصة داخل المملكة”.
ووفق المنظور ذاته، ترى أن رئيسة المجلس الثوري المصري “مها عزام” أن “بن سلمان” يخلق وضعا خطيرا جدا للمجتمع السعودي باتباعه سياسات لا تخدم مصلحة الشباب في بلد يستمر فيه الفساد.
وقالت “مها” إن ولي العهد يتعامل مع المملكة كما لو كانت إقطاعية خاصة به، وليس كدولة حديثة، مضيفة: “أعتقد أنه لم يخن تقاليد بلده فقط، بل تجاهل حقيقة أن التقدم يتطلب مشاركة سياسية للشعب ومساءلة الحكومة”.
وأضافت أن المصلحة الذاتية هي المحرك الوحيد لـ”بن سلمان” ونخبة الحكم الصغيرة من حوله، والتي يمكنه تحريكها لإحداث فوضى في المملكة إذا لزم الأمر.
وفي السياق، يؤكد أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة قطر “محجوب الزويري” أن الترفيه ليس كل ما يحتاجه الناس، بل الوظائف والقدرة المادية، فـ “بدون الحصول على المال، لا يمكنهم أن يستمتعوا بحياتهم”، حسب قوله.
وأشار إلى أن خطوات التحديث التي تبناها “بن سلمان” تنم عن تقدير خاطئ للإصلاح ، مضيفا: “هذه الأنواع من التغييرات والتطورات في مختلف البلدان علمتنا شيئا مهما في التاريخ، وهو أن أي تغيير غير متوازن داخل المجتمع سيؤدي إلى عدم الاستقرار.. التغييرات تحتاج إلى توازن”.
ولفت “زويري” إلى أن السعودية كقوة إقليمية في حالة تراجع منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول، أن سياستها السيئة بالعراق مكنت الوجود الإيراني في بغداد بعد الغزو الأمريكي عام 2003.
وأضاف: “الطريقة التي تعاملوا (السعوديون) بها مع السياسة وقرأوا بها مصالحهم لم تدفعهم إلى تحقيق أي من أهدافهم، لكنهم خلقوا في الواقع المزيد من الأعداء والمزيد من الفراغات في المنطقة، ما أعطى إيران المزيد من الفرص لتحقيق أهدافها”.
وقال “الزويري”: “الطريقة التي تعاملوا بها مع السياسة والطريقة التي قرأوا بها مصالحهم لم تدفعهم إلى تحقيق أي من أهدافهم ، لكنهم خلقوا في الواقع المزيد من الأعداء والمزيد من الفراغات في المنطقة ، مما أعطى إيران المزيد من الفرص لتحقيق أهدافهم”.
ورغم اتفاق أستاذ القانون الدولي بجامعة برينستون “ريتشارد فولك” مع سابقيه في أن “بن سلمان” مسؤول عن أخطاء كارثية، مثل اغتيال “خاشقجي” وحرب اليمن، إلا أنه أبدى حذرًا بشأن توقع سقوط حكم آل سعود.
وقال “فولك”: “من الصعب للغاية التأكد من أي شيء في هذه المنطقة. هناك الكثير من التعقيدات. كان الناس مخطئين بشأن سوريا مرارًا وتكرارًا. لقد استمروا في التنبؤ بالأشياء الخاطئة.. لذلك سأكون مترددًا في الوثوق بأي أحكام تصدر عن انهيار آل سعود”
وأشار إلى أن سلسلة التطورات في سوريا، بما فيها سحب القوات الأمريكية، يخلق حالة من التوتر لدى السعوديين حول ما إذا كانوا بحاجة أولاً لتحقيق الاستقرار في وضعهم الخاص، ومعالجة بعض القضايا المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية لـ”بن سلمان”.