بينما كانت إسرائيل توقع “اتفاقيتي سلام” لتطبيع العلاقات مع دولة الإمارات ومملكة البحرين، فإن أنظارها بالأساس تقع على السعودية، كونها أكبر دولة في الخليج ولرمزيتها الدينية وتختلف عن غيرها في التطبيع مع إسرائيل.
ولم تخف “تل أبيب” رغبتها في أن تكون الرياض، واحدة من الدول الخمسة، المتوقع أن توقع “معاهدة سلام” معها، وذلك باعتراف رئيس الموساد “يوسي كوهين”، الذي قال في مقابلتين مع القناتين العبريتين 12- 13: “إن التطبيع مع السعودية من الممكن أن يحدث قريبا، متوقعا أن تطبع الرياض رسميا هذا العام”.
وربما حقق الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، خلال الأسابيع الماضية، المزيد من النجاحات في تجسير جزء مهم من مساحة الفجوة التاريخية بين العرب والإسرائيليين، وهو يسعى إلى إدخال دول عربية أخرى في مسار التطبيع.
وتبنت وسائل الإعلام الرسمية أو المملوكة للدولة السعودية وكبار نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يُنظر إليهم على أنهم انعكاس لواقع السياسة الرسمية السعودية، موقفا مؤيدا، للقرارين الإماراتي والبحريني.
ويقول الكاتب الفلسطيني إبراهيم المدهون، إن “السعودية دولة مركزية لا يضاهيها أي من الدول التي قامت بالتطبيع مع الاحتلال”.
وأوضح المدهون: “السعودية قريبة سياسيا من الإمارات، ولكن حتى اللحظة لم تطبع مع الاحتلال، وهي تحاول دائما أن لا تفقد دورها الطليعي في المنطقة، وتعرف أن الاقتراب من الاحتلال، سيضر بصورة المملكة في الوجدان العربي والإسلامي، وسيأكل من هيبتها وحضورها”.
وأضاف: “قيادة السعودية حتى اللحظة مترددة في التطبيع مع الاحتلال، وتنظر إلى رأي شعبها، حيث أن الشعب السعودي من أكثر الشعوب دعما للقضية الفلسطينية وأكثرها تعاطفا مع الشعب الفلسطيني، وهو غير راض عن التوجهات نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي”.
وأشار إلى أن دولة الاحتلال تسعى جاهدة عن طريق الترغيب والترهيب، وباستخدام الولايات المتحدة الأمريكية، للضغط على السعودية من أجل الجنوح للتطبيع.
وقال المدهون: “في حال طبعت السعودية فإنه مكسب للاحتلال، وخسارة للشعب الفلسطيني، ولكن ثقتنا أن هناك حسابات سعودية مختلفة عن الحسابات الإماراتية”.
وأضاف: “إسرائيل تتلهف على مثل هذه العلاقة وتحاول بكل السبل الوصول إليها، لمكانة السعودية ولتغيير الكثير من المعادلات”.
وشدد الكاتب والمحلل السياسي، أنه من يقترب من الاحتلال يسقط في أعين الشعوب، ويفقد شرعيته ويتعرض للكثير من الانتقاد، مشيرا إلى أن الشعوب العربية حتى اللحظة تدعم كل من يقاوم الاحتلال.
وتابع: “السعودية بمكانتها الدينية، تحتم عليها إعادة حساباتها، وعدم الانجرار وراء الأطماع التي تحاول إسرائيل أن تبرزها لإغرائها”.
وأكد: “إسرائيل نار تحرق كل من يقترب منها، لذلك التطبيع مع تل أبيب، سيكلف الرياض الكثير”.
وأشار إلى أن المنطقة ستكون أمام أشهر حاسمة حول موضوع التطبيع مع الاحتلال، مطالبا الفلسطينيين القيام بنشاط دبلوماسي لتوضيح مخاطر التطبيع، لا سيما مع السعودية، من أجل ثنيها عن أي خطوات في أي اتجاه، حفاظا على سمعة المملكة ودورها المستقبلي.
وقال المدهون: “الشعب الفلسطيني لن يعطي شرعية لأي من الأنظمة التي ستقترب من الاحتلال الإسرائيلي، وسيستمر في المقاومة لان المستقبل هو لمواجهة المشروع الصهيوني”.
بدوره، يؤكد الكاتب الفلسطيني ناجي الظاظا، أن “إسرائيل تسعى جاهدة أن تكون السعودية واحدة من الدول المطبعة معها لعدة أسباب، أهمها: مكانتها الدينية في المنطقة، واقتصادها، كونها أكبر دولة خليجية من حيث المساحة وعدد السكان”.
وقال الظاظا: “الولايات المتحدة تحتاج إلى حليف كبير في المنطقة لمواجهة إيران، فطهران هي شماعة أي صفقات تتم في المنطقة، تحت غطاء التطبيع”.
وأضاف: “يجري التجهيز لتحالف عسكري وأمني استخباري كبير لمواجهة مشروع المقاومة في المنطقة”.
وأشار الظاظا إلى أن السعودية قادرة على أن تجمع حولها أكبر عدد من الدول العربية، منوها إلى أن التطبيع مع موريتانيا، الذي بدأ منذ عام 1996م، ليس له أي تأثير استراتيجي، ولكن التطبيع مع السعودية سيختلف.
وحذر أنه “بعد التطبيع، فإن العالم العربي والإسلامي سيستفيق على واقع جديد، ليجد أن إسرائيل في كل شيء دون أن تعطيهم أي شيء”.
وأضاف: “من بواكير ما حدث في الخليج بعد التطبيع، ضرب مجلس التعاون الخليجي وجامعة العربية مستدركا، بالقول: “إذا دخلت إسرائيل في أي شيء فإنها تفسده، فلا يبقى فيه خير على الإطلاق لا على المستوى السياسي أو الاقتصادي”.
وقال الظاظا: “بعد 40 عاما من التطبيع مع مصر، و27 عاما من اتفاق أوسلو ووادي عربة، لم يحدث شيء من ذلك، لا رفاه اقتصادي ولا تنمية ولا استقرار سياسي”.
واعتبر أن كل الدعاية الإعلامية والسياسية التي يقودها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بتعداد دول التطبيع وتسجيل انتصارات اقتصادية لن تغير من طبيعة الاحتلال الهمجية، ولن تمنع الشعب الفلسطيني من استمرار نضاله ضد الظلم والعدوان، مشددا على أن الشعوب العربية شعوب حية ولكنها تحتاج إلى هزة قوية توقظها.
وأضاف: “من الممكن أن تكون المحاولات الإسرائيلية للتطبيع حافزا للم الشمل الفلسطيني، للتأكيد على أن الاحتلال لا يمكن التعايش معه، ولا يمكن أن يكون شريكا، وهذا الأمر وصلت له السلطة الفلسطينية بعد 27 عاما من توقيع اتفاق أوسلو”.
وأكد الظاظا: “أنه إذا واصل الشعب الفلسطيني مقاومته، فإنه سيكون دافعا للعالم العربي أن يستيقظ، ليثبت أن التطبيع مع الاحتلال لن يجلب استقرارا للدول والشعوب ولا رفاهية”.
وفي 13 أغسطس/ آب الماضي، أعلنت الإمارات وإسرائيل اتفاقا للتطبيع الكامل بينهما، أتبعته البحرين بخطوة مماثلة في 11 سبتمبر/ أيلول الجاري.
والثلاثاء، وقعت الإمارات والبحرين اتفاقيتي التطبيع مع إسرائيل في البيت الأبيض، برعاية الرئيس الأمريكي، متجاهلتين حالة الغضب في الأوساط الشعبية العربية.