لا يمكن وصف تورط نظام آل سعود في نشر ظاهرة الذباب الالكتروني والأخبار الكاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سوي أنه ممارسات الدول “المارقة”.
قبل أيام أعلنت شركة “فيسبوك” حذف عدد من الصفحات والحسابات الالكترونية الشخصية والجماعية بعد اكتشاف تورطها في أنشطة ترويجية مزيفة عبر منصتي فيسبوك وانستغرام في كل من المملكة ومصر والإمارات.
وفيما استخدمت أبو ظبي والقاهرة شركتي تسويق كواجهتين لحملتيهما، فإن نظام آل سعود اكتفت بالتخفّي خلف أسماء وعناوين مزورة بحيث لم يصعب على الشركة الأمريكية كشف صلة حملات الأخبار الكاذبة ومروجيها (الذين باتوا يحملون اسم الذباب الالكتروني) بالسلطات السعودية.
وشمل تضليل الجمهور نشر أخبار إقليمية والتعرض لقضايا سياسية، ولكن المثير للسخرية حقا هو أن الكثير من المواد التي نشرها الذباب الالكتروني السعودي لم يحترم ذكاء المتصفحين، وكرر ما درجت عليه عادات السلطات العربية من النفاق المبالغ به بمحمد بن سلمان والترويج لخططه الاقتصادية والاجتماعية.
كما استعان نظام آل سعود بشركة بريطانية للدعاية والعلاقات العامة، تقدم مواد دعائية على أنها أخبار حقيقية على موقع فيسبوك، لتحسين صورة المملكة، لا سيما محمد بن سلمان.
وقد كشفت شركة “فيسبوك”، عن أن أشخاصاً مرتبطين بحكومة آل سعود أداروا شبكة من الحسابات والصفحات الزائفة عليها، لترويج مواد دعائية للدولة ومهاجمة الخصوم في المنطقة.
وقالت فيسبوك إنها أغلقت أكثر من 350 حساباً وصفحة عليها نحو 1.4 مليون متابع، في أحدث حملة ضمن جهود متواصلة لمحاربة السلوك الزائف المنسق على منصتها، وفي أول نشاط من نوعه تربطه بالحكومة السعودية.
ونشرت صحيفة “الغارديان” نتائج تحقيق مطول أعده المحرر الإعلامي جيم واترسون عن تورط حليف لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في حملة تضليل إعلامية على فيسبوك قدمت خدمات لعملاء من بينهم حكومة آل سعود.
ويدير شركة “سي تي إف بارتنرز” التي تقوم بالتضليل على “فيسبوك”، سير لينتون كروسبي، وهو الحليف المقرب من رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون.
وفي التحقيق الذي تقول الصحيفة إنه الاول من نوعه في شركة “سي تي أف باترنرز” ومنظورها واستراتيجيتها قدمه موظفون سابقون ووصفوا شركة جعلت من عملية التضليل الإعلامي على الإنترنت حرفة متقنة وقدمت خدماتها لسلسلة من العملاء وحدث في داخل مقرها حوادث من البلطجة وكراهية المرأة.
وقالوا إن مناخ السرية في الشركة وصل لدرجة أن العاملين في حملات التضليل على الإنترنت والتي قامت بالترويج للعملاء بطريقة انتقائية على صفحات فيسبوك مجهولة المصدر وتبعت صيغة واحدة واستخدمت الرموز الأولية بدلا من الأسماء الكاملة في النظام الداخلي لها حتى لا يتم تتبع المصدر إلى شركة “سي تي أف” وزبائنها.
وتقول الصحيفة إن الكشف عن تصرفات الشركة يزيد الضغط على رئيس الوزراء لكي يبعد نفسه عن “سي تي أف” حيث حذر موظفون سابقون من الأثر الكبير الذي تمارسه الشركة على الحكومة الجديدة.
وقدمت “سي تي أف” في بداية العام قرضا بدون فوائد إلى جونسون لكي يغطي نفقات مكتب ورواتب موظفين، وأن شركاء غروسبي في الشركة وهما مارك تيكستور ومارك فولبروك الذي أخذ إجازة من العمل لإدارة حملة جونسون في السباق على زعامة حزب المحافظين إلى جانب ديفيد كانزيني.
ويأتي التحقيق بعدما كشفت الصحيفة في نيسان (إبريل) أن شركة غروسبي تقف وراء سلسلة مؤثرة من المجموعات على فيسبوك والتي أنفقت مليون جنيه لغرس فكرة الخروج من الإتحاد الأوروبي في عقل الرأي العام.
ويكشف التحقيق عن مظاهر القصور في أدوات فيسبوك السياسية والتي منحت شركة غروسبي التي تفاخر بأنها “تستخدم آخر ادوات التعامل الرقمية”، لكي تستخدم منابر التواصل الإجتماعي لإدارة صفحات تبدو أنها “إخبارية” تصل إلى ملايين الأشخاص وتقدم لهم موادا حول موضوعات خلافية بدون الكشف على أن مصدرها “سي تي أف” ونيابة عن عملاء لها.
وبناء على نقاشات مع موظفين حاليين وسابقين وفحص لعدد من الوثائق كشفت “الغارديان” عن الحملة التي أدارتها الشركة عن عملاء.
خاصة حصولها على ملايين الجنيهات الإسترلينية من حكومة آل سعود لتحسين صورة ولي العهد محمد بن سلمان والذي تورط لاحقا في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي.
واعتمدت الشركة على تطبيق متقن لتقنية قديمة في الاتصالات يقدم مظهرا خادعا أن الرسالة السياسية تحظى بدعم شعبي.
وقال الموظفون إنهم أنشأوا مواقع وصفحات فيسبوك بدت وكأنها مواقع إخبارية مستقلة بأسماء مثل “لماذا تعتبر الكهرباء مهمة” “تغطية اليمن” و”لندنيون من أجل المواصلات”، وبدلا من ذلك تم استخدامها لنشر موضوعات وتقارير إخبارية وصلت للملايين.
وعادة ما يتم إدارة الصفحات المتعددة المفترضة أنها مستقلة من حساب “مدير تجاري” في شركة غروسبي يتجاوز أدوات الشفافية في شركة فيسبوك.
وعادة ما لا ينتبه مستخدم فيسبوك للرابطة, ولأن السرية هي هدف الشركة فإن عدم استخدام الأسماء الكاملة واللجوء إلى الحروف الأولى كانت سياسة تهدف لعدم تتبع الصفحات إلى الشركة أو أي من عملائها.
وكشفت الصحيفة ان الشركة التي يديرها غروسبي حصلت على ملايين الجنيهات من حكومة آل سعود بحساب أداره المقرب من غروسبي، مارك دوميتراك، الذي عمل في مجال اللوبي نيابة عن الشركة الدخان البريطانية – الأمريكية.
ومن الصفحات التي تبدو مستقلة تلك التي تتعلق بحرب اليمن والتي استخدمت أسماء مثل “دبلوماسي شرق أوسطي” أو “تركيز على إيران” ولم تكشف عن عمل “سي تي أف” نيابة عن حكومة آل سعود التي تشترك وبقوة في الحرب.
واختفت عدة صفحات بعدما بدأت “الغارديان” عمليات التحقيق والتساؤل, وبعدما قدمت الصحيفة نتائجها عن حملة التضليل على الإنترنت قالت شركة فيسبوك إنها لن تتخذ إجراءات فيما تبدو أنها مصادر حقيقية للأخبار.
وقالت إن الصفحات التي تتظاهر بأنها مصادر إخبارية نيابة عن شركات أو دول لا تخرق القواعد أو “تمثل تصرفا غير صادق” وهو المصطلح المستخدم لإغلاق الصفحات والشبكات التي تشرف عليها دول مثل إيران وروسيا.
واطلعت الصحيفة على وثائق تظهر أن فيسبوك عارفة بممارسات سي تي أف من العام الماضي.
الإجراءات التي تتخذها شركات الانترنت العملاقة كغوغل وأبل وفيسبوك وتويتر تحاول تعديل هذا الانقلاب ومعالجة بعض آثاره الجانبية، كما هو الحال مع نظام آل سعود ومصر والإمارات.