الاقتصاد السعودي تحت الضغط… مخاطر بنيوية تهدّد استقرار المملكة

حذّر موقع “ستراتفور” الأميركي، المتخصص في التقديرات الاستخباراتية والتحليل الاستراتيجي، من المخاطر الهيكلية التي تحيط بنموذج الاقتصاد السعودي في عهد ولي العهد محمد بن سلمان، معتبراً أن السياسات الاقتصادية الحالية، رغم مظاهر “النجاح السريع”، تحمل في داخلها بذور هشاشة قد تهدد استقرار المملكة في أي لحظة صدمة اقتصادية أو جيوسياسية.
فبحسب التقرير، تعتمد السلطة السعودية على مبدأ مركزي يقوم على شراء الولاء الاجتماعي عبر الإعانات والامتيازات الحكومية، مقابل بقاء المواطنين خارج دائرة الحياة السياسية.
ورغم أن هذا النموذج ليس جديداً، إلا أن ولي العهد—من خلال “رؤية 2030″—زاد من حجم المخاطرة عبر تحويل الاقتصاد إلى مشاريع ضخمة عالية الكلفة، تؤدي عملياً إلى تعميق الاعتماد على أسعار النفط والتقلبات العالمية.
ورأى التقرير أن نجاح الحكومة في تجنّب فرض ضريبة دخل على المواطنين يُعد مكسباً شعبياً، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام مشكلة مستدامة: غياب أي أدوات مالية فعّالة تحمي مستويات المعيشة من تأثير دورة الأعمال، كما يحدث في الدول التي تعتمد على الضرائب كآلية لخلق توازن مالي في أوقات الأزمات.
والنقطة الأكثر حساسية، بحسب ستراتفور، هي أن السلطة تتعامل مع بنية اقتصادية “مصطنعة” تستند إلى الوفرة النفطية، لا إلى إنتاج حقيقي أو قاعدة اقتصادية متنوعة.
رؤية 2030… وعود كبيرة بلا قدرة على التحمّل
يشير التقرير إلى أن مشاريع ولي العهد العملاقة—مثل “نيوم” و”ذا لاين” ومشاريع السياحة الفاخرة—تعتمد بشكل شبه كامل على التمويل الحكومي والاقتراض الخارجي، ما يعني أن أي انخفاض في دخل النفط سيؤدي إلى إبطاء هذه المشاريع أو تعليقها، مع ما يعنيه ذلك من ضربة مباشرة لصورة محمد بن سلمان كمصلح اقتصادي يحاول إعادة تشكيل المملكة.
ويحذّر ستراتفور من أن الخطر الحقيقي لا يتعلق فقط بالاقتصاد، بل بما يسميه “العقد الاجتماعي الجديد القائم على الرفاه الاستهلاكي”.
فقد ارتفعت مستويات المعيشة في السنوات الأخيرة نتيجة وفرة الدعم الحكومي، وتوسع برامج الإسكان، والإنفاق على الترفيه والفعاليات الضخمة، لكن هذه المكتسبات ليست قابلة للتثبيت على المدى الطويل، لأنها غير مدعومة بنمو اقتصادي حقيقي.
ويؤكد التقرير أن بن سلمان “وسع دائرة التوقعات الشعبية” لدى السعوديين من خلال فتح أبواب الاستهلاك، لكنه لم يخلق قاعدة اقتصادية تضمن استمرار هذا المستوى من الرفاه.
ومع أي أزمة مالية أو سياسية، سيواجه النظام صعوبة في تلبية حجم الطلب المتزايد على الإعانات والدعم، ما قد يؤدي إلى تآكل شرعية النظام داخلياً.
الصدمات الكبرى… التهديد الذي لا يجرؤ النظام على الاعتراف به
وفق تحليلات “ستراتفور”، فإن الصدمات المحتملة التي قد تواجه السعودية تشمل:
تراجع أسعار النفط إلى مستويات منخفضة لفترة طويلة
اندلاع حرب إقليمية، أو تعرض منشآت النفط لأزمة أمنية كبيرة
تقلّبات في الأسواق العالمية أو ركود عالمي
تحولات سياسية داخلية بفعل تراجع القدرة على شراء الولاء الاجتماعي
صدمات أيديولوجية تعيد فتح النقاش حول دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع
ويشير التقرير إلى أن السعودية نجحت سابقاً في تجاوز مثل هذه الصدمات لأنها كانت تمتلك احتياطيات مالية ضخمة وقدراً أقل من الالتزامات الاقتصادية، لكن الوضع اليوم مختلف تماماً: المشاريع الضخمة تلتهم مئات المليارات، والمخزون المالي آخذ بالتراجع، والاقتراض يتصاعد، بينما توقعات المواطنين تتوسع.
ومع تفاقم هذه العوامل، يرى التقرير أن المملكة قد تجد نفسها أمام سيناريو خطير: إما خفض واسع للدعم والإعانات، أو اللجوء إلى الاقتراض المكثّف، ما يعني زيادة الدين العام إلى مستويات قد تقوّض التصنيف الائتماني للمملكة. وفي كلا الحالتين، سيكون الثمن سياسياً واجتماعياً.
محمد بن سلمان… مخاطرة بلا شبكة أمان
يرى محللو “ستراتفور” أن سياسة محمد بن سلمان تقوم على “الهجوم إلى الأمام”: إطلاق مشاريع عملاقة، إعادة هيكلة الاقتصاد، وتقديم نفسه كقائد يغيّر كل شيء.
لكن هذه المقاربة لا تعتمد على تدرّج اقتصادي أو على بناء قاعدة إنتاجية، بل على القوة السياسية والقرارات الفوقية التي تفرض نفسها من الأعلى إلى الأسفل.
ويشير التقرير إلى أن بعض السياسات، مثل خفض أعداد العاملين في القطاع العام، وإجبار الشركات الأجنبية على نقل مقارها إلى الرياض، وتوسيع نطاق الخصخصة، تُتّخذ بسرعة كبيرة ومن دون دراسة كافية لتأثيراتها على الطبقات الوسطى والفقيرة، ما يخلق حالة من القلق الاجتماعي المكتوم، الذي قد يظهر عند أول أزمة اقتصادية.
كما ينتقد التقرير ميل ولي العهد إلى تركيز السلطة الاقتصادية والسياسية في يده، وتحويل المؤسسات الحكومية إلى أدوات تنفيذ لرؤيته الخاصة، لا إلى كيانات مستقلة قادرة على تصحيح المسار أو تقديم تقييمات واقعية.
ويخلص التقرير إلى أن استمرار نموذج الاقتصاد السياسي القائم على الإعانات، والإنفاق الضخم، والمشاريع العملاقة، من دون إصلاحات جوهرية، سيجعل السعودية عرضة لعدم الاستقرار في المستقبل القريب.
ويؤكد أن المملكة تقف عند مفترق طرق: إما بناء اقتصاد حقيقي يقوم على الإنتاج والتنويع والمؤسسات، أو الاستمرار في النهج الحالي الذي يضع البلاد تحت رحمة النفط والديون.
وبحسب التقرير، فإنّ الخطر الأكبر ليس في الأزمة نفسها، بل في غياب أي خطة بديلة لدى القيادة السعودية في حال وقوع صدمة كبرى، وهو ما يجعل سياسات محمد بن سلمان أقرب إلى مغامرة غير محسوبة في منطقة شديدة الاضطراب.




