بعد مرور أكثر من 4 سنوات على “عاصفة الحزم” التي أطلقها الملك سلمان في اليمن لصد الحوثيين، ظل جلياً تناقض المصالح بين نظام آل سعود والإمارات، وبات كل منهما يدعم طرفاً لصالحه في محاولة منه للسيطرة وبسط نفوذ سياسي واقتصادي باليمن.
وبعد إعلان الإمارات الانسحاب من اليمن، تركت خلفها جيشاً من قوات مدربة انفصالية هدفها استقلال الجنوب عن اليمن فيما يُسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، ضاربة عرض الحائط العنوان العريض للتحالف الذي دشن في مارس 2015 وأعلن بوضوح وقوفه إلى جانب الشرعية وإعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وإنهاء انقلاب الحوثيين سبتمبر 2014.
وكانت الإمارات قد تحركت بعيداً عن الحكومة الشرعية اليمنية وحليفتها الرياض مثل سيطرتها على المنافذ البحرية والموانئ ومشاركة القوات الأمريكية في عمليات مشتركة باليمن دون إبلاغ المملكة بذلك.
وتبدو علاقة الرياض وأبوظبي في السنوات الأخيرة بأفضل صورها ويعتقد كثيرون أن تحالفهما لا يُمكن أن ينفك، لكن وراء الأكمة ما وراءها.
وتهرع وسائل إعلام البلدين والأذرع الإعلامية المحسوبة عليهما لإبراز قوة العلاقة بين الرياض وأبوظبي، في مشهد يوحي بأن هذا التحالف “راسخ واستراتيجي ولا يمكن أن يتضعضع بأي حال من الأحوال”.
ويُعد تاريخ الصراع القبلي بين آل سعود وشيوخ الإمارات قديمة ومتجذّرة، وهي صراعات نشأت على النفوذ والسيطرة والتبعية.
نشأ نزاع حدودي بين البلدين في سبعينيات القرن الماضي حول حقل الشيبة النفطي الذي تبلغ إنتاجيته 500 ألف برميل يومياً، والمنطقة الساحلية الفاصلة بين الإمارات وقطر “خور العديد”، وكانت هذه النقطة سبباً في اعتراض الرياض على إنشاء جسر بحري بين الإمارات وقطر عام 2005.
اضطر الطرفان بعد سلسلة من المناورات لتوقيع اتفاقية حدودية عام 1974 عرفت بـ”اتفاقية جدة”.
ونصت الاتفاقية على تنازل الرياض عن جزء من واحة البريمي وحصولها في المقابل على ساحل بطول حوالي 50 كيلومتراً يفصل بين قطر والإمارات، إضافة إلى حقل الشيبة الذي يمتد جزء منه داخل الأراضي الإماراتية، علاوة على جزيرة الحويصات.
ظلت الأمور على هذا الوضع حتى وفاة الشيخ زايد بن نهيان ليثير نجله خليفة الذي تولى رئاسة البلاد، الاتفاقية في أول زيارة للرياض في ديسمبر 2004، واصفاً إياه بـ “الظالمة”، ووقعت في ظروف استثنائية في حين أكدت المملكة أن الاتفاقية لا تزال سارية.
في عام 2006 صعدت الإمارات من موقفها إذ أصدرت في كتابها السنوي خرائط جديدة تظهر المناطق المتنازع عليها تابعة للمياه الإقليمية الإماراتية
وفي موقف مشابه لحصار قطر في 5 يونيو 2017، ردت الرياض بقوة على أبوظبي وأوقفت دخول الإماراتيين إلى أراضيها في 2009 باستخدام بطاقات الهوية ومنعت دخول شاحنات تجارية إليها، ما أدى إلى تراجع أبوظبي وصمتها مجدداً على هذه القضية.
وكنوع من الاحتجاج، قاطعت الإمارات في العام ذاته (2009) مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، والذي عقد تزامناً مع تدشين حقل الشيبة النفطي متذرعة بأن الدولة المضيفة لا تشرك الإمارات في تقاسم عائدات النفط رغم اتفاقية جدة عام 1974.
وتدعي الإمارات أن ما نسبته 80% من الحقل يقع ضمن أراضيها وتملك الحق في تطويره والاستفادة من إنتاجه النفطي بشكل كامل.
وبعد عام واحد كادت العلاقات بين البلدين أن تنفرط نهائياً عندما أطلق زورقان إماراتيان النار على زورق سعودي في خور العديد واحتجز اثنان من قوات حرس الحدود السعودي.
أظهرت وثائق أن ولي عهد أبوظبي كان يحرض مسؤولين أمريكيين على المملكة في الوقت كان يتظاهر فيه علناً بأنه حليف لها.
وبعد 10 سنوات من كلام الحاكم الفعلي للإمارات، سمحت المملكة للنساء بقيادة السيارة ضمن سلسلة قرارات استهدفت انفتاح المرأة على المجتمع، وغيرت من هوية “بلاد الحرمين”.
وأظهرت عديد الوثائق المسربة استهزاء ولي عهد أبوظبي بقادة آل سعود وتقدمهم في العمر وعدم معرفتهم بالانترنت.
كما حاول وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد بحسب وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى يونيو 2008 تحريض الأمريكان على الرياض قائلاً إنه لا يرَ في الأمراء السعوديين الأصغر سناً أي وجوه واعدة.
بعد وفاة الملك عبدالله بن عبد العزيز وتولي الملك سلمان مقاليد الحكم في 23 يناير 2015، اشتدت الخصومة بين الطرفين مع وصول محمد بن نايف إلى ولاية العهد، لتبدأ رحلة تصفية الحسابات مع “بن زايد”.
وكان ولي عهد أبوظبي، بحسب ما أظهرته الوثائق، قد تلفظ بألفاظ سيئة في حق ولي العهد الأسبق نايف بن عبد العزيز، ووصفه بأن لديه ملامح القرد.
عقد في العاصمة الشيشانية غروزني في أغسطس 2016 مؤتمراً مدعوماً من الإمارات لإعادة تعريف “أهل السنة والجماعة”، وتضمنت توصياته أن أهل السنة والجماعة هم “الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيةً” وفقاً لبيان المؤتمر الذي استثنى في حضوره وختامه أي وجود للسلفية والوهابية، ما أثار حنق الرياض وغضبها.
وحدد المشاركون المؤسسات الدينية السنية العريقة في العالم الإسلامي بأنها الأزهر الشريف والقرويون والزيتونة وحضرموت ومراكز العلم والبحث فيما بينها والمؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادية”، وهي مؤسسات جلّها يدعمها النظام الإماراتي.
الرياض أبدت غضبها الشديد وهاجمت أذرعها الإعلامية وشيوخها مؤتمرغروزني ولم تكتفِ بذلك بل عقدت مؤتمراً سُمّي بـ”مؤتمر مني” وعقد في مكة المكرمة، محذراً من أي تكتل “يفرق المسلمين”.
غضب المملكة دفع مؤسسة الأزهر للتبرؤ من بعض جزئيات المؤتمر وما جاء فيه، مؤكدة أنها لم تستثنِ ولن تستثني التيار السلفي او الوهابية، كما اعتذر رئيس الشيشان المدعوم روسياً رمضان قديروف للرياض.
وفي يوليو 2014 دشنت الإمارات جسماً دينياً مناهضاً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، هو “مجلس حكماء المسلمين” بمشاركة ثلثة من رجال الدين الأزهريين والصوفيين الموالين لها وأعلنت الأزهر المرجعة الدينية للأمة.
واعتبر مراقبون الخطوة الإماراتية شديدة الاستفزاز للرياض، التي كانت تحاول تكريس “هيئة كبار العلماء” كمرجعية عليا لأهل السنة في العالم، وليس الأزهر كما خرج به.
جانب آخر يبرز بوضوح الخلاف العميق بين البلدين المتنازعين إذ ما انفكت الرياض في تحشيد الرأي الدولي ضد طهران في الوقت الذي تعد فيه أبوظبي الشريك التجاري الأول لإيران في المنطقة.
وفي بداية أغسطس 2019 وقعت إيران والإمارات مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال أمن الحدود البحرية، في خطوة وصفها مراقبون بـ “طعنة في ظهر المملكة”
فهل بعد كل هذه المواقف لا يزال يعتقد البعض أن تحالف الرياض وأبوظبي قوي ولا يُمكن كسره أم أن الخلاف بينهما لم يعد خفياً على الأحد وقد تُنذر الأشهر المقبلة باحتدام الصراع إلى درجة الانفكاك العلني.