هاجمت وسائل إعلام دولية ولي العهد محمد بن سلمان وتنبأت بفشل مشروعه في المملكة بعد وصفه بالمستبد والأكثر قمعا في تاريخ المملكة.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن المملكة تحت حكم بن سلمان تعد “الأكثر قمعاً في التاريخ السعودي الحديث” بما يتناقض مع كونه “الأكثر إصلاحية” في بعض النواحي.
وأوضحت الصحيفة أن “هذا التناقض ظهر بشكل واضح الأسبوع الماضي عندما كشفت السلطات، بعد وفاة أحد أبرز النشطاء التحرريين في المملكة، عن إلغاء جلد المجرمين وعقوبة الإعدام على الأطفال”.
وتوفي الناشط عبد الله الحامد (69 سنة) بسكتة دماغية نتيجة لإساءة معاملته من قبل النظام السعودي، الذي حكم عليه بالسجن 11 سنة في عام 2013 لدعوته إلى الانتقال السلمي نحو الديمقراطية.
وجاءت وفاة الحامد لتكون علامة سوداء أخرى على جبين محمد بن سلمان، الذي أصبح منذ توليه السلطة مشهوراً بالإشراف على الاعتقال الجماعي لكبار رجال الأعمال، وتعذيب وسجن الناشطات في مجال حقوق المرأة، وقتل الصحافي جمال خاشقجي.
لكن بن سلمان يصف نفسه بأنه محدث يجدد المجتمع السعودي والاقتصاد، وللقيام بذلك فهو بحاجة ماسة لجذب الاستثمار الأجنبي.
لذلك ربما ليس من قبيل المصادفة أنه بعد أيام من وفاة الحامد أعلنت السلطات أن الجلد – وهو عقوبة قاسية غالبًا ما يأمر بها القضاة في الجرائم البسيطة – تم حظره، إلى جانب إعدام الأشخاص المدانين بارتكاب جرائم عندما كانوا تحت سن 18، بحسب ما تقول الصحيفة.
وتشير الصحيفة إلى أن رفع القيود عن المرأة والسماح بدور السينما وغيرها من وسائل الترفيه العامة، جاءت لتكون كلها تغييرات رمزية “هناك ما لا يقل عن ستة من السجناء تحت سن 18 ينتظرون الإعدام، بمن في ذلك العديد ممن شاركوا في احتجاجات مناهضة للحكومة من قبل الأقلية الشيعية. كما وقعت حادثة الجلد الأكثر شهرة في السنوات الأخيرة على المدون الليبرالي رائف بدوي الذي انتقد المؤسسة الدينية في البلاد”.
وتؤكد “واشنطن بوست” أن الإصلاح بالنسبة لمحمد بن سلمان “هو ممارسة استبدادية، يسيطر عليه وحده ويضر عمداً بالنشطاء الساعين من أجل التغيير. بالتوازي مع منح النساء الحق في قيادة السيارات في 2018، اعتقل النظام 18 من أكثر المدافعين المتحمسين عن هذا الحق.
وتعرض العديد منهم للتعذيب الوحشي ولا تزال اثنتان منهن وهما لجين الهذلول ونسيمة السادة مسجونتين على الرغم من عدم إدانتهما بارتكاب جريمة. ولا يزال الناشط رائف بدوي أيضا في السجن يقضي عقوبة 10 سنوات، كما سجنت أخته سمر بدوي دون محاكمة منذ يوليو/تموز 2018”.
وتضيف “سيقوم محمد بن سلمان بأمرين بنفس الوقت، قمع جميع الأصوات المستقلة في المملكة بوحشية وتسجيل أنه قام بالإصلاحات التي يوزعها كمستبد خيري. إن ذلك ليس استراتيجية قابلة للتطبيق في القرن الحادي والعشرين، كما يوضح استمرار الركود في الاقتصاد السعودي. جرائم محمد بن سلمان تحجب تنازلاته نحو للحداثة. ما لم يغير الحاكم البالغ من العمر 34 عامًا المسار بسرعة فسيخرب كل ما يسعى إلى تحقيقه”.
في السياق قال الباحث السعودي المقيم في أميركا عبدالله العودة والخبيرة بشؤون الشرق الأوسط الأميركية ساره ليا ويتسون، في مقال مشترك، نشر بموقع “فورين بوليسي” الأميركي، إن المواطن عبد الرحيم الحويطي الذي قُتل قبل أسبوعين على يد سلطات آل سعود تنبأ بقيام السلطات باغتياله، وذلك لاحتجاجه على خطط السلطات لترحيل قبيلة الحويطات التي ينتمي إليها من أراضيها في محافظة تبوك بغرض إنشاء مدينة نيوم.
وتسكن قبيلة الحويطات قرى وبلدات في المنطقة، بما في ذلك عاصمة تاريخية للقبيلة تدعى خريبة، في مناطق محافظة تبوك منذ مئات السنين. وتخطط السلطات السعودية لإخلاء وترحيل حوالي 20.000 شخص لإفساح المجال أمام بناء مدينة نيوم.
وأعلن بن سلمان عن رؤيته لمدينة نيوم في عام 2017 بحيث تكون مدينة تقنية تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، وسوف يسكنها المصطافون العالميون والشركات الناشئة التكنولوجية والمستثمرون الأغنياء.
وأكدت أن قتل الحويطي هذا الشهر، وجهود الحكومة لإجبار قبيلة الحويطات على قبول شروط نزوحهم، هي نموذج مصغر لكل ما هو خطأ في نظام الحكم الاستبدادي المتهور والقاسي.
وفي مواجهة احتمال التخلي عن أراضي أجدادهم، حيث عاشت القبيلة لمئات السنين قبل فترة طويلة من تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1932، اندلعت الاحتجاجات على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. وتم اعتقال ما لا يقل عن 10 أشخاص، وفر البعض من البلاد.
وبدلاً من التشاور مع المجتمع المحلي والسعي لدمجهم في الخطط الطموحة للمنطقة، تعاملت الحكومة مع مواطنيها مثل الأشياء التي يمكن التخلص منها ليحل محلها مستوطنون عالميون. هذا ما يحدث عندما يعلن حاكم شرير أنه هو وحده هو الذي سيقرر مستقبل بلاده مع تلقيه النصح، وساعده مستشارون ومحامون أميركيون بأجر جيد على بعد آلاف الأميال، في حين أن المواطنين السعوديين الذين يعبرون عن آرائهم يتم تجاهلهم أو إسكاتهم أو سجنهم أو إبادتهم.
إن الظروف المحيطة بمقتل الحويطي تحتاج إلى تحقيق، وبيان الحكومة يثير أسئلة. ما هو واضح هو أن سلطات بلدية تبوك، التي يشرف عليها البرنامج الوطني الجديد لتنمية المجتمع بدأت في إصدار أوامر مصادرة الممتلكات في أوائل يناير وفقًا لسكان محليين. عرضت السلطات على السكان فقط وعودًا غامضة ولفظية بشقق موقتة وتعويضات غير محددة. أخبرنا السكان أنه لا توجد عملية قضائية تتعلق بمراجعة اعتراضات القبيلة على مشروع التنمية، أو نزوحهم القسري، أو شروط التعويض.
وقالت مصادر محلية إن الغالبية العظمى من أعضاء القبيلة رفضت العرض. لكن الحويطي على وجه الخصوص أصبح وجها عاما للسخط. في يناير كان جزءًا من مجموعة محلية اجتمعت بممثل حكومي لرفض التعويض وتشريد القبيلة. وفي 12 إبريل/نيسان، أي قبل يوم من مقتله، نشر الحويطي فيديو على موقع يوتيوب على قناته الشخصية أصر فيه على أنه كما آخرون من أبناء القبيلة يريدون البقاء في أراضيهم التاريخية والمشاركة في تطوير نيوم.
لم يشر بيان الحكومة إلى هذا النزاع. وأدعت الحكومة أن الحويطي كان مسلحاً وأطلق النار على قوات الأمن، وأنه لم يكن أمامها خيار سوى الرد عليه وقتله.
وكما تنبأ الحويطي، يزعم البيان أن الجنود عثروا على مخبأ للأسلحة في منزله. لكن الشهود اعترضوا على هذا الرواية وقالوا إنه أخبر الشرطة في 12 إبريل / نيسان أنه لن يغادر، والتقط صوراً للشرطة عندما وصلوا لقياس أرضه ومنزل ضد إرادته. عندما وصلت القوات الخاصة في اليوم التالي مع العشرات من العناصر في شاحنات مدرعة، قال السكان المحليون إنهم رأوهم يحيطون بالمنزل ويبدأون في إطلاق النار وعندها فقط رد الحويطي بإطلاق النار.
منذ مقتله أطلق نشطاء سعوديون على وسائل التواصل الاجتماعي في الخارج عليه اسم “شهيد نيوم”، مشبهاً مقتله بقتل المعارض الأكثر شهرة في البلاد جمال خاشقجي. بالنظر إلى مصداقية الحكومة السعودية غير الموجودة في أعقاب أكاذيبها المستمرة حول خاشقجي، فمن غير المرجح أن يصدق الجمهور في الداخل أو الخارج الرواية الأخيرة للحكومة.
إن مشاريع التنمية الضخمة التي تنطوي على أخذ ممتلكات السكان المحليين ليست عملية سهلة أبدًا، لكن القانون الدولي يوفر معايير أساسية حول كيفية احترام الحكومة لحقوق المجتمعات المحلية في هذه العملية. لقد فشلت الحكومة السعودية في استخدام حتى الحد الأدنى من المعايير بشأن متى وكيف يمكن للدول مصادرة الممتلكات.
لا دليل على أن إخلاء قبيلة الحويطات كان الملاذ الأخير كما يقتضي القانون، ولا توجد عملية عادلة لتحديد ما إذا كانت الحكومة قد عرضت عليهم تعويضا مناسبا عن أراضيهم وممتلكاتهم الشخصية. ولا يوجد في المملكة العربية السعودية قانون للأراضي، ولا يوجد في قانون نزع ملكية العقارات لوائح واضحة بشأن عملية إعادة توطين وتعويض الأشخاص الذين فقدوا الأرض بسبب مشاريع التنمية.
من الواضح أن الحكومة فشلت في التشاور مع المجتمع المدني والمجتمعات المتضررة. وبدلاً من ذلك ذكر البرنامج الوطني لتنمية المجتمع بإيجاز أنه سيتم منح السكان تعويضات عادلة وسيحصلون على برامج الدعم الاجتماعي والاقتصادي ويمكنهم تبادل “الاستفسارات والتعليقات” في المراكز المحلية. ولا يوجد ما يشير إلى أن الحكومة درست كيف ستؤثر نيوم على حقوق أبناء قبيلة الحويطات وعلى البيئة.
من المشكوك فيه للغاية ما إذا كان مشروع نيوم قابلاً للتطبيق، نظرا للانهيار المالي العالمي بسبب فيروس كورونا وارتفاع الدين السعودي وسط انخفاض أسعار النفط. والنتيجة الوحيدة حتى الآن لمشروع نيوم هي تدمير مجتمع تاريخي وموت متظاهر سعودي باستخدام وسائل قديمة لا علاقة لها بالمفاهيم الحديثة للحقوق والعدالة.