يواصل نظام آل سعود استخدام فزاعة محاربة ما يسمى ب”الإرهاب” من أجل مواصلة حربه الإجرامية على اليمن وأخر ذلك الإعلان عن اعتقال أمير تنظيم “داعش” أبو أسامة المهاجر.
ويقول مسئولون يمنيون إن العملية التي احتفل بها إعلام نظام آل سعود بالقبض على المهاجر داخل منزل في محافظة المهرة شكلت مسرحية مفضوحة الهدف منه إقناع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية بضرورة التواجد العسكري للنظام.
ويعتبر مراقبون يمنيون أن نظام آل سعود يستخدم فزاعة محاربة الإرهاب كورقة استثمار سياسي لأهداف اقتصادية لها علاقة باستمرار توسيع نفوذه ونهب ثروات اليمن.
وكان أعلن تحالف آل سعود قبل يومين البض على أمير تنظيم داعش في اليمن الملقب بـ”أبو أسامة المهاجر” في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (واس).
وأوضح البيان أن قوات التحالف بالتعاون مع نظيرتها اليمنية نفذت عملية “نوعية” في 3 يونيو/حزيران الجاري، وتكللت بالقبض على “المهاجر” والمسؤول المالي للتنظيم، وعدد من أعضائه (لم يسمهم).
ولم يحدد المتحدث موقع تنفيذ العملية، أو مصير زعيم “داعش” وبقية الموقوفين.
ووفق بيانات نشرتها الصفحة الرسمية للخارجية السعودية، فإن “المهاجر” (لم تذكر اسمه الأصلي) كان أحد قيادي تنظيم القاعدة بين عامي 2010 و2015، ثم التحق بداعش عام 2015، ويقود التنظيم في اليمن منذ عام 2017.
ومنذ مارس/ آذار 2015، يدعم تحالف عسكري عربي، تقوده الجارة السعودية، القوات الحكومية باليمن ضد الحوثيين، في حرب خلفت أزمة إنسانية حادة هي الأسوأ في العالم، وفقا لوصف سابق للأمم المتحدة.
ويروج التحالف أن من بين أهدافه الرئيسية دعم اليمن في مواجهة التنظيمات الإرهابية، سيما القاعدة وداعش، لكن يقول المسئولون اليمنيون إن أهداف تحالف آل سعود الحقيقة تدمير اليمن والسيطرة على موانئه الاستراتيجية لأهداف اقتصادية بحتة.
وعلى مدار أكثر من أربعة أعوام من شن نظام آل سعود حربا إجرامية على اليمن، روج أنها تستهدف إعادة الشرعية للبلاد والقضاء على انقلاب جماعة أنصار الله “الحوثيين” لكن هذه الأهداف وصلت إلى فشل كارثي.
وتجمع الحقائق الميدانية والسياسية أن حرب آل سعود أفضت إلى فشل كارثي، بعد أن قضت على الأسباب التي قامت لأجلها، من دون أن تحقق أهدافها المعلنة، وذلك ما يبدو جلياً في التحولات في اليمن.
ورغم أن هذا الفشل لا يعني نهاية الحرب حتى الآن، إلا أن تحوّلاً واضحاً في مواقف أطراف الصراع الرئيسة قد يشكّل اختراقا لبنية الحرب ذاتها، وقد يفضي إلى تفاهماتٍ ثنائيةٍ في المستقبل.
فقد أكدت التسريبات الإعلامية انعقاد لقاءاتٍ غير مباشرة بين سياسيين من نظام آل سعود وقيادات من جماعة الحوثي في مسقط أخيراً، وهو مؤشّر على إدراك هذه الأطراف فشلها، ليس فقط في حسم الحرب لصالحها، وإنما عجزها عن دفع ماكينة الحرب إلى عام آخر، بعد أن تآكلت قاعدة تحالفاتها السياسية والعسكرية.
يعد نظام آل سعود الطرف الرئيس في معادلة الحرب المؤقلمة في اليمن، بحيث أصبح قرار استمرار الحرب ووقفها بصيغته الإقليمية سعودياً في النهاية، وفيما حاولت السعودية الحفاظ على مسار الحرب خمس سنوات، بهدف استنزاف حلفائها المحليين وخصومها، فإن تطوّرات لافتة دفعتها كما يبدو، إلى إعادة النظر في حساباتها العسكرية والسياسية في اليمن، وتحديداً التحولات الدراماتيكية في منظومة دول التحالف العربي.
إذ أعادت دولة الإمارات انتشار قواتها في مناطق محدّدة من اليمن، ما شكل عبئا على نظام آل سعود، كما أن تذبذب الموقف السوداني الرسمي من استمرار مشاركة قواته العسكرية في اليمن أنضج الخيار السياسي السعودي في مقاربة الحرب في اليمن.
كما أن الهجمات العسكرية على منشآت نفطية تابعة لشركة “أرامكو” حسمت موقف آل سعود على ما يبدو ما جعل الرياض تحرص على فتح قنواتٍ غير مباشرة مع جماعة الحوثي.
يرجّح ميزان خسائر المملكة في حرب اليمن في مقابل المكاسب الإماراتية، بحيث يشكل ذلك محورا مهما في إعادة تقييمها حربها في اليمن، إذ حققت الإمارات غاية تدخلها العسكري في اليمن، بفرض تسويةٍ سياسيةٍ مريحة لها في جنوب اليمن، إذ أفضى اتفاق الرياض إلى جعل المجلس الإنتقالي الجنوبي، حليفها المحلي، شريكاً في السلطة السياسية.
كما كسبت الإمارات المؤتمر الشعبي العام، جناح الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حليفا محليا مهما، تتطلع إلى اشراكه في تسويةٍ سياسةٍ جديدة، فيما فشلت المملكة في تحقيق أهدافها العسكرية المعلنة في اليمن، بما في ذلك في وقف هجمات جماعة الحوثي على أراضيها، كما عجزت عن توحيد حلفائها المحليين تحت مظلتها السياسية، سواء القبائل اليمنية المشتتة أو أجنحة السلطة الشرعية، حيث يغلب عليهما التنافس، ما يلقي حملاً مضاعفاً على المملكة في إدارة الملف المحلي في اليمن مستقبلاً.
كما أن ترتيب الإمارات وضعها العسكري في اليمن يعني تحمل المملكة وحدها عبء إدارة الحرب في اليمن، بما في ذلك وراثتها المشكلات السياسية التي نتجت من تدخلهما في اليمن، وبالتالي لم تخسر الإمارات في حرب اليمن، على عكس المملكة، الأمر الذي يجعل استمرار الحرب ضريبة مضاعفة تدفعها وحدها.
وتشكل ضبابية السلطة السودانية الحالية حيال استمرار مشاركة قواتها في حرب اليمن عامل ضغط على السعودية للتقارب مع جماعة الحوثي، حيث تعتمد السعودية بشكل رئيس على القوات السودانية في قيادة المعارك البرّية في اليمن، بما في ذلك الدفاع عن حدودها ضد هجمات مقاتلي الحوثي، ما يجعلها رهناً للموقف السوداني.
ففي حين حرص المجلس السيادي السوداني على تطمين المملكة باستمرار مشاركة الجنود السودانيين في حرب اليمن، بعد حصوله على أموال سعودية وإماراتية، وتعهد أبوظبي بالمساعدة على شطب السودان من القائمة الأميركية للإرهاب، فإن إعلان قيادة القوات السودانية أخيرا أن مشاركتها في التحالف العربي انتقلت من المرحلة الاستراتيجية إلى مرحلة التكتيك يعد مؤشراً على تغيير حقيقي في الموقف السوداني من مشاركة قواته في الحرب.
إذ سحبت الخرطوم عشرة آلاف جندي من قوام جنودها المقاتلين في اليمن، وظلت قوة رمزية لا تتعدى خمسة آلاف جندي، بحسب رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك. ومن ثم فإن استحقاقات الثورة السودانية في المستقبل، بما في ذلك احتمال تغيير السلطة السياسية، قد يفضي إلى إعادة تقييم مشاركة قوات السودان في حرب اليمن، بما يؤدي إلى سحبها نهائيا.
الخلاصة أن نظام آل سعود لا يستطيع وحده إدارة الملف العسكري في اليمن، حتى مع استمرار المقاتلين اليمنيين في خوض الحرب في الجبهات، فإن الصراعات السياسية بين القوى اليمنية تجعل استمرار الحرب، بقيادة السعودية، مجازفة غير مأمونة العواقب وعبثا لا أكثر.