تستخدم السلطات السعودية بشكل ممنهج الإخفاء القسري أداة لترهيب وقمع المجتمع السعودي بما في ذلك استهداف ناشطي الرأي والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ولا تزال ممارسة الاختفاء القسري المحظورة دوليا تتم بصورة منهجية وواسعة الانتشار في السعودية حيث تستخدمها السطات السعودية على نطاق واسع ضد معتقلي الرأي، بمن فيهم المعتقلون المقرر الإفراج عنهم.
وأعربت منظمة القسط عن قلق عميق إزاء سلامة ناشطَين مخضرمَين في مجال حقوق الإنسان كان من المقرر الإفراج عنهما في أواخر عام 2022 ولكنهما بدلًا من ذلك اختفيا قسريا، مع رفض السلطات الكشف عن مصيرهما أو مكان وجودهما.
أتمّ محمد القحطاني عقوبته الحبسية المحددة في 10 سنوات يوم 22 نوفمبر 2022 ولكن لم يُفرج عنه بعد، ومُنع من أي تواصل مع ذويه منذ 24 أكتوبر 2022.
وترفض السلطات أن تعطي أية معلومات عنه، وعلى الرغم من ادعائها في يناير 2023، ردًّا على بيان من الأمم المتحدة، أن القحطاني كان محتجزًا في “إصلاحية الرياض” (سجن الحائر)، في 23 يوليو 2023، في مكالمة مسجلة استعرضتها القسط، فإن مسؤولي السجن هناك صرحوا بأنهم لم يعثروا على اسمه في نظامهم.
وتشتبه أسرة القحطاني في معاملته على ذلك النحو انتقامًا منه لتقديمه شكوى بخصوص الاعتداءات المتكررة التي عانى منها في السجن، مع التشديد على الإجراءات العقابية الإضافية التي اتخذتها السلطات.
وبالمثل، لايزال عيسى النخيفي مختفيا قسريًّا منذ 15 أكتوبر 2022، بعد إعلانه خوض إضرابٍ عن الطعام احتجاجًا على عدم إطلاق سراحه بعد انقضاء مدة حبسه المحددة في ست سنوات في سبتمبر 2022.
ولم تصادق السعودية بعد على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لعام 1992، وتمارس بطريقةٍ منهجيةٍ الاختفاء القسري -الذي يدوم أحيانا شهورا أو حتى سنوات- لإسكات النشطاء وغيرهم من المنتقدين.
واعتقل جهازُ المباحث العامل في المجال الإنساني عبد الرحمان السدحان في مارس 2018 من مقر عمله بمقر الهلال الأحمر السعودي في الرياض واختفى قسريًّا لمدة 23 شهرًا.
وحُكم على السدحان في أبريل 2021 بالسجن 20 عامًا على خلفية نشره تعليقات سلمية على تويتر، وأصبح مختفيا قسريًّا مرةً أخرى بعد ظهوره في محكمة الاستئناف في أغسطس من ذلك العام. ومنعته السلطات من الاتصال بأهله لأكثر من عامين.
واعتُقل الصحفي تركي الجاسر أيضا في مارس 2018 بعد مداهمة منزله. ولم يُسمح له بالزيارات أو المكالمات الهاتفية لما يقرب من سنتين، ورفضت السلطات السعودية أن تجيب على أي استفسار عنه. وباستثناء مكالمة هاتفية واحدة أجراها مع أهله في فبراير 2020، مُنع مرة أخرى من أي تواصل آخر.
وتزيد احتمالية تعرض الأفراد أثناء اختفائهم لانتهاكات حقوقية أخرى مثل التعذيب، لأنهم يكونون محتجزين خارج إطار الحماية القانونية.
ولا يزال الداعية سليمان الدويش مختفيا قسريًّا منذ اعتقاله في 22 أبريل 2016، بعد نشره تغريداتٍ على تويتر منتقدة للملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، وتعرّض للتعذيب الوحشي على يد كبار المسؤولين في مكان احتجاز غير رسمي في الرياض. وظهر الدويش آخر مرة وفق التقارير في يوليو 2018، ولم ترد منذئذ أي أخبار عنه أو عن صحته أو مكان وجوده.
وعلقت رئيسة قسم الرصد والمناصرة في القسط لينا الهذلول قائلةً: “تتسبب حالات الاختفاء القسري في ألم يتجاوز الضحايا أنفسهم، ويلحق بأحبائهم الذين تُركوا في حالة من عدم اليقين تدمي القلوب، وبذويهم الذين ظلوا معلقين بين الأمل واليأس. يجب أن تستأصل السعودية هذه الممارسة القاسية دون استثناء”.
من جهتها قالت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إن السعودية تستخدم الإخفاء القسري كأسلوب استراتيجي لبث الرعب داخل المجتمع.
وبحسب المنظمة تبرز السعودية من بين الدول التي تمارس الإخفاء القسري على نطاق واسع، فيما باتت تستخدمه بطرق جديدة في الآونة الأخيرة.
وفقا للإعلان العالمي المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، فإنه يحصل حين يتم القبض على شخص ثم ترفض الجهات المسؤولة “الكشف عن مصيره و عن أماكن وجوده أو رفض الاعتراف بحرمانه من حريته، مما يجرده من حماية القانون”.
وثقت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان خلال السنوات الماضية استخدام السعودية للإخفاء القسري خلال مراحل مختلفة، حيث يتعرض العديد من الأشخاص منذ لحظة الاعتقال لإخفاء يبدأ بساعات وقد يستمر إلى سنوات.
تتبع المنظمة بين أن السعودية تستخدم الإخفاء القسري بشكل ممنهج ضد المعتقلين، ففما استمر إخفاء علي مزيد عام إلى أن تم ترحيله من دون توجيه تهم ولا محاكمة، فهي تخفي حاليا عامل الإغاثة عبد الرحمن السدحان بعد إصدار حكم بسجنه 20 عاما حيث تمنع عائلته من الوصول إلى معلومات عنه أو التواصل معه.
إضافة إلى ذلك تبين صكوك الأحكام حرمان العديد من المعتقلين من حقهم في التواصل مع العالم الخارجي وتعرضهم لإخفاء قسري عند الاعتقال لأيام أو حتى شهور.
وفي بعض الحالات يستمر الإخفاء القسري حيث لا زال أحمد المغسل مختفيا منذ أغسطس 2015، وسليمان الدويش مخفيا منذ أبريل 2017 حتى اليوم.
إضافة إلى ذلك، تستخدم السعودية سياسة الإخفاء القسري لجثامين الأفراد الذين تنفذ بحقهم أحكام إعدام في تعذيب نفسي مستمر لعائلاتهم.
وأشارت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن النهج الجديد الذي تتبعه الحكومة السعودية في إخفاء المدافعين عن حقوق الإنسان بعد انتهاء مدة حكمهم، يعكس محاولتها نشر الرعب في المجتمع وعلى صعيد الناشطات والنشطاء.
وأوضحت المنظمة أنه فيما أبدت الأمم المتحدة قلقها من ممارسات خاصة تتعلق بالإخفاء القسري، فإن السعودية تطبقها بشكل ممنهج، وبينها:
المضايقات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان، وأقارب الضحايا
استغلال الدول أنشطة مكافحة الإرهاب كذريعة لانتهاك التزاماتها؛
استمرار مرتكبو أعمال الاختفاء القسري في الإفلات من العقاب على نطاق واسع.
وأكدت المنظمة أن الجهات المسؤولة عن عمليات الإخفاء في السعودية، وبينها إدارات السجون، والمحاكم، والنيابة العامة لا تكتفي بتكريس سياسة الإفلات من العقاب، بل إنها تعمد إلى تهديد العائلات التي تستمر بالسؤال عن مصير أفرادها، وتحاول ترهيب كافة الجهات التي يمكن أن تنشط في الدفاع عن المخفيين قسريا.
وعتبرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، أن الإخفاء القسري لطالما شكل نهجا في السعودية، كما أنه يمهد لانتهاك حقوق أساسية بينها الحق في الحرية والحق في عدم التعرض للتعذيب والحق في المحاكمة العادلة.
إلا أن الاتجاهات الناشئة الجديدة في إخفاء مدافعين أنهوا محكوميتهم لمئات الأيام، يشير إلى مدى الانحدار الذي تشهده حقوق الإنسان في السعودية خلال السنوات الأخيرة.