يجمع مراقبون أن “صفقة الأساطير” التي عقدها الرئيس دونالد ترامب مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يشوبها الكثير من التحقيقات ومصير الأموال والصفقات التي كتبت على ورق دون أن تتقدم السعودية درجة واحدة في الشرق الأوسط.
ويبدو السؤال الآن ملحا أكثر من أي وقت آخر، وسيرحل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من البيت الأبيض بعد خمسين يوما ومعه سترحل بعض الأساطير التي سجلتها ولايته الرئاسية ومنها الصفقة العسكرية الضخمة مع السعودية التي قيل إنها الأضخم في التاريخ بأكثر من 400 مليار دولار.
وكان الرئيس الأمريكي زار الرياض يوم 17 أيار/مايو من سنة 2017 وجرى استقباله استقبال الأبطال على عكس فترة سلفه الرئيس باراك أوباما الذي ختم ولايته بتلك المقابلة الشهيرة مع مجلة «أتلانتيك» وتحدث فيها كيف فقدت دول الخليج وعلى رأسها السعودية أهميتها بالنسبة للسياسة الأمريكية.
ونصح الرياض بأن مصدر الخطر الحقيقي ليس القادم من إيران بل اليأس المنتشر في صفوف الشباب بسبب الفساد وغياب الإصلاح السياسي والديمقراطي وتفشي البطالة.
وفي تلك الزيارة، التقت رغبتان جامحتان، رغبة الرياض لكي توحي بأهميتها الجيوسياسية للبيت الأبيض، ورغبة رئيس يرى السياسة من خانة التجارة، وهذا ليس بغريب عنه وهو المتاجر في كل شيء وأحيانا بدون احترام القيم.
وكان الإعلان عن صفقة 416 مليار دولار، وهي الأضخم في التاريخ. وتحدث الجانبان أنها تشمل فقط صفقة الأسلحة، ولاحقا وتفاديا للشكوك والاستغراب، قيل إن قيمة الأسلحة 230 مليار دولار والباقي استثمارات سعودية في السوق الأمريكية.
ثم جرى الحديث عن 110 مليارات دولار فقط للأسلحة، والباقي استثمارات مالية وكأن الأمر يتعلق بتخفيضات في سوبر ماركت فيما أطلق إعلاميا على الصفقة اسم الأساطير.
وها هو ترامب على وشك توديع البيت الأبيض، اليوم الرسمي هو 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، وتماشيا مع غروره ورفضه الاعتراف بالهزيمة قد يغادره يوم 14 كانون الأول/ديسمبر عندما سيصوت الناخبون الكبار للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي منحت الفوز للديمقراطي جو بايدن.
سيرحل ترامب ونتساءل ماذا تحقق من الصفقة الأسطورية مع السعودية؟
مراجعة الاتفاقيات والأرقام، وباستثناء الذخيرة الحربية للمدافع والطائرات المقاتلة للاستمرار في حرب اليمن، لم تستلم السعودية أي أسلحة تقلب موازين القوى في الشرق الأوسط مثل أنظمة دفاعية متطورة أو مقاتلات.
وفي حالة الاقتصار على الحد الأدنى من الصفقة وهو 110 مليارات دولار بدل 230 مليار دولار أو 416 مليارا، فالولايات المتحدة عليها أن لا تبيع فقط للسعودية أسلحة كلاسيكية مثل المقاتلات والدبابات بل أسلحة استثنائية مثل غواصات نووية وحاملات طائرات ومقاتلات من نوع ب-52 أو سبيريت.
ورغم هذا من الصعب استنفاد 110 مليارات دولار، علما أن واشنطن لا تبيع هذا النوع من الأسلحة لأي بلد، بما فيها إسرائيل أو بريطانيا.
وإذا ركزنا على الجانب الاستثماري من الصفقة، لم تستثمر السعودية أي مبالغ مالية تستحق الذكر في السوق الأمريكية. وأخذا بعين الاعتبار لائحة الدول الأجنبية المستثمرة في السوق الأمريكية خلال سنتي 2018 و2019 لا توجد السعودية ضمن الدول الـ15 الأوائل.
ومع قدوم إدارة بايدن الديمقراطية، تصحو السعودية على الواقع المر، ستعيد واشنطن النظر في كل صفقات الأسلحة وستربطها بحقوق الإنسان، وعلى رأسها ملف الصحافي جمال خاشقجي الذي تم اغتياله بطريقة مرعبة على أيدي كوماندوس ولي العهد محمد بن سلمان. كما سيجمد البيت الأبيض تأييده لحرب اليمن.
وستجد السعودية نفسها أمام غياب الذخيرة وغياب الدعم السياسي والعسكري، وستضطر مجبرة على التفكير الجدي في مباحثات السلام لإيقاف حرب شردت الشعب اليمني.
أحيانا نقول إن هذه اتفاقية ما بقيت حبرا على ورق، وفي حالة 416 مليار دولار لم يتم حتى ترجمتها الى مشاريع دقيقة لتصبح حبرا على ورق، بل بقيت تصريحات في مهب ريح الميكروفونات.