أطلق ولي العهد محمد بن سلمان منذ توليه منصبه صيف عام 2017 سلسلة تعهدات تم المبالغة في ترويجها بإنعاش اقتصاد المملكة وتنويع مصادره لكن ما جرة هو النقيض تمام.
إذ أظهرت تقديرات دولية أن سياسات بن سلمان سبب خرابا غير مسبوق لاقتصاد المملكة أوصلته حد مواجهة خطر الإفلاس لا سيما ما يتعلق بإطلاق حرب نفط وخفض للأسعار ما كبد المملكة خسائر 250 يوميا من عائداتها النفطية.
وقالت صحيفة “إيكونوميست” إن عام 2020 بدأ واعدا للمملكة، لكنه أخذ بالانحراف مع انهيار أسعار النفط وتخبط سياسات بن سلمان فضلا عن انتشار جائحة فيروس كورونا.
وتحت عنوان “سنة ضائعة في السعودية”، أشارت الصحيفة إلى اعتقال بن سلمان عددا من الأمراء البارزين وموظفي الخدمة المدنية في شهر شباط/ فبراير، ثم إطلاق حرب أسعار نفط مع روسيا التي خفضت سعر برميل النفط إلى مستويات لم تشهد منذ عام 2003.
وأكدت الصحيفة أن هذه الخطوات كبدت اقتصاد المملكة خسائر قياسية ثم جاءت أزمة فيروس لتجمد الاقتصاد وتتركه يخوض ببحيرة من النفط الذي لا يريد أحد شراءه.
“وبعيدا عن كونه مرحلة من الحملة الدبلوماسية الهجومية واجتذاب المستثمرين، فقد يترك عام 2020 المملكة في حفرة اقتصادية ودبلوماسية عميقة”. تقول الصحيفة.
كان خبر اعتقال الأمير أحمد بن سلمان موضوع الساعة. واعتقلت سلطات آل سعود ولي العهد ووزير الداخلية السابق محمد بن نايف وعددا من موظفي الخدمة المدنية، واتهم سعوديون مقربون من الديوان الملكي المعتقلين بالتآمر على ولي العهد. رغم عدم وجود ما يشي بالمؤامرة، خاصة أن بعض المتآمرين جرى الإفراج عنهم، ونظر للاعتقال على أنه تحذير آخر من الأمير الذي لا يتسامح مع المعارضة.
وظهرت شخصية بن سلمان المتهورة أكثر في المفاوضات مع روسيا حول تخفيض مستويات الإنتاج، وعندما فشل تحالف أوبك+ بالتوافق على الأمر، ومع غمر السوق بالنفط، تراجع سعر البرميل إلى أقل من 30 دولارا، وما يزال مرشحا للهبوط.
ولو استمرت الأسعار على مستوياتها المتدنية، فالمملكة قد تضطر لتعويض نقص بالميزانية، قيمته مليارا دولار في الأسبوع. وخفضت النفقات بنسبة 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) لتقليم النفقات وقت أزمة فيروس كورونا. وصدرت أوامر للوزارات بالتخطيط لتقليل النفقات، وقالت شركات تعهدات البناء إن العقود الجديدة توقفت.
وفي العلن مضى حلفاء المملكة في الخليج معها، وتعهدت شركة النفط الوطنية في الإمارات العربية المتحدة بزيادة الإنتاج بـ 3-4 مليون برميل في اليوم، ولكن المسؤولين الخليجيين عبروا في الأحاديث الخاصة عن غضبهم من القرار الذي سيفتح ثغرات في ميزانياتهم.
وبدأت المملكة في أيلول/ سبتمبر العام الماضي إصدار تأشيرات سياحية، على أمل جذب مئات الآلاف من السياح هذا العام، وهناك قلة ستأتي وربما توقف الاستثمار.
وربما يجبر فيروس كورونا المملكة على إلغاء أهم موسم في التقويم السنوي وهو الحج، الذي يبدأ في نهاية تموز/يوليو، وفي العام الماضي شارك فيه 2.5 مليون حاج، ومن المستبعد وصول هذا العدد وسط انتشار كوفيد-19.
وتهدد حرب النفط بين موسكو والرياض الرؤية الإستراتيجية للمملكة “رؤية 2030″، وفي الواقع لم تؤد خطة بن سلمان التي تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة إلى النتائج المتوقعة.
ويعاني اقتصاد المملكة حاليا من خسائر كبيرة نتيجة تراجع أسعار المواد الخام. ومن المحتمل أن تكون محاولات الرياض لإنهاء الحرب في اليمن ذات أهداف اقتصادية بالأساس.
وفي تقرير نشره موقع “نيوز. ري” الروسي، أكد إيغور يانفاريف أن القيادة السعودية تحاول تقديم لعبة تخفيض أسعار النفط على أنها مفيدة بالنسبة إليهم.
على الرغم من المناقشات في المملكة بشأن الحاجة إلى إيجاد مصادر جديدة ذات قيمة مضافة غير مرتبطة بإنتاج النفط، فإن صادرات النفط تمثل حوالي 80% من دخل المملكة، في وقت تسعى فيه “رؤية 2030” إلى إخراج المملكة من وضعية الاعتماد التام على صادرات النفط من خلال إعادة استثمار الثروة النفطية في الصناعات المستدامة.
وينقل الكاتب عن الخبيرة البارزة في شؤون الشرق الأوسط في “أكسفورد أناليتيكا” لورا جيمس قولها إن البرنامج الإستراتيجي السعودي “رؤية 2030” يتخلف عن معظم أهدافه المتعلقة بعام 2020. ويعتبر جمع الأموال لإعادة الاستثمار حجر الزاوية في هذه الإتراتيجية -بحسب الكاتب- لكن تم تقويض هذه الخطط نتيجة الهجمات على مصافي شركة أرامكو السعودية العام الماضي. وعلى هذا الأساس، تم تذكير المستثمرين بالمخاطر الجيوسياسية التي تهدد وجود أرامكو بالكامل.
وذكر الكاتب أن بن سلمان ضغط على المواطنين السعوديين الأثرياء لشراء أصول شركة أرامكو في إطار الاكتتاب العام الأولي، في وقت قدرت فيه القيمة السوقية لعملاق الطاقة بنحو 1.7 تريليون دولار، وهي أقل من قيمة تريليوني دولار المخطط لها، وفي الوقت الراهن لا تستفيد أسهم الشركة من حرب الطاقة الحالية.
وأضاف الكاتب أن الاستثمار الأجنبي المباشر من المعايير الأخرى لضمان نجاح “رؤية 2030″، ورغم أن قيمة الاستثمار الأجنبي في المملكة لعام 2018 بلغت 3.2 مليارات دولار، فإنه لا يمكن مقارنة هذا الرقم مع قيمة الاستثمار الأجنبي لعام 2015، التي قدرت بنحو 8.1 مليارات دولار، أو لعام 2010 التي قدرت بحوالي 29.2 مليار دولار.
وأفاد الكاتب بأن نمو القطاع الخاص غير النفطي يعتبر علامة بارزة أخرى في المملكة، وقد بدا الوضع واعدا حتى بدأت وتيرة التنمية في التباطؤ في ديسمبر/كانون الأول 2019.
وفي فبراير/شباط من هذا العام، تباطأ نمو القطاع الخاص غير النفطي مقارنة بالعامين الماضيين، خاصة مع تقويض الإنتاج بسبب فيروس كورونا، وفي الوقت الراهن، يمكن للضغوط الضريبية الناجمة عن حرب الأسعار أن تجعل الوضع أكثر تعقيدا، وفق الكاتب.
وختم الكاتب بأن إحدى النتائج الهامة لحرب النفط هي أنها قد تؤدي إلى حدوث بعض التغييرات في السياسة الخارجية للمملكة، كما قد تؤدي إلى عدم القيام ببعض الحملات العسكرية، ولكن ذلك لا يغني البلاد عن البحث عن مصادر أخرى ذات قيمة مضافة لا تتعلق بإنتاج النفط.