يتخبط اقتصاد المملكة في أزمة متصاعدة بفعل فشل نظام آل سعود وفساده وحروبه الخارجية التي تؤثر سلبا على مجمل الأنشطة الاقتصادية بما في ذلك إنتاج النفط.
وقالت مؤسسة “كابيتال إيكونوميكس” البحثية في لندن، إن خفض إنتاج النفط في دول الخليج سيؤدي إلى تراجع العائدات المالية والنمو الاقتصادي لهذه الدول، متوقعة هبوط نمو اقتصاد المملكة إلى النصف تقريبا في 2019، ليسجل 1.3%، مقابل 2.5% في 2018.
واتفقت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، الخميس الماضي، مع المنتجين من خارج المنظمة وعلى رأسهم روسيا، في إطار المجموعة التي يُطلق عليها “أوبك+”، على زيادة تخفيضاتهم لإنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يومياً، ليصل إلى حوالي 1.7 مليون برميل يومياً.
وأشارت “كابيتال ايكونوميكس” في تقرير لها إلى أن القرار سيدفع الكويت إلى سد العجز المالي في موازنتها عبر السحب من الاحتياطي النقدي العام الذي شارف على النفاد.
وتوقعت انخفاض نمو الاقتصاد الكويتي إلى 1% من 3.8% العام الماضي، وعُمان إلى 1% مقابل 2%.
وكان تحالف “أوبك+” قد قرر قبل عام خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم عن مستوى أكتوبر/تشرين الأول 2018، لمواجهة انكماش النمو العالمي ووفرة المخزون النفطي وهشاشة الأسعار.
ووفق تقرير كابيتال ايكونوميكس، فإن نمو إنتاج النفط السعودي هذا العام سيكون صفراً، وهو ما يعني أن النمو الاقتصادي بأكمله سيتحقق من القطاع غير النفطي، مضيفا أن حكومة نظام آل سعود قد لا تتمكن من تحقيق نمو أسرع هذا العام.
ورجح التقرير أن تخفض السعودية الإنفاق الحكومي مع تباطؤ القطاع النفطي، موضحا أنه “رغم أن الميزانية المعلنة تشير إلى خطط سخية للإنفاق، فإنها قد تكون مجرد افتراضات، إذ تفترض الرياض أن يصل متوسط سعر برميل النفط إلى 80 دولاراً”.
وأضاف: “يبدو أن مشاكل مماثلة قد تحدث في البحرين وعُمان، وكلاهما يعتمد اقتصاده بشدة على النفط، كما أن الحكومتين قد تقران مزيداً من إجراءات التقشف”.
وتعتزم “أوبك” عقد اجتماع تقييمي في 5 مارس/آذار المقبل، يتبعه في اليوم التالي اجتماع تحالف “أوبك.
وقد دخل اقتصاد المملكة في دوامة من التراجع والانتكاسات في ظل تخبط نظام آل سعود وفشله في إيجاد حلول فضلا عن فساده وسوء توزيع الموارد الضخمة التي تمتلكها البلاد.
وتواجه المملكة تراجعاً في إيراداتها المالية، منذ منتصف 2014، دفعها لإعلان موازنات تتضمن عجزاً كبيراً في الإيرادات والنفقات.
وعلى الرغم من ترويج الرياض مشاريعها الاقتصادية والاستثمارية، وخطة ولي العهد محمد بن سلمان لتحديث المملكة اقتصادياً، فإن بيانات عالمية متخصصة تشير إلى تراجع الاقتصاد في المملكة مع ارتفاع في الدين العام وعجز الموازنة وانخفاض الإيرادات والاحتياطات النقدية.
وجاءت أهم مفارقات الاقتصاد السعودي خلال السنوات الأخيرة كالتالي:
ارتفع الدين العام للمملكة من 11 مليار دولار إلى 150 مليار دولار خلال الفترة الأخيرة.
وانخفضت إيرادات المملكة من 277 مليار دولار, إلى 239 مليار دولار.
وانخفضت أيضا الاحتياطات النقدية من 732 مليار دولار, إلى 504 مليارات دولار.
وارتفع عجز الموازنة العامة بالمملكة من 29 مليار دولار إلى 36 مليار دولار.
وارتفعت البطالة أيضا لتصبح من 11.7% إلى 12.7%.
وانخفض ترتيب التنافسية العالمي من 20 عالمياً إلى 39 عالمياً.
وانخفض أيضا تطور النظام المؤسسي من 25 عالمياً إلى 39 عالمياً.
وانخفضت جودة البنية التحتية من 30 عالمياً إلى 40عالمياً.
وانخفض أيضا جودة النظام الصحي من 50 عالمياً, إلى 64 عالمياً.
ويدعي محمد بن سلمان أنه يقوم بالإصلاحات داخل المملكة وفق رؤية 2030 المزعومة وفي ذات الوقت يحكم بقبضة من حديد ويعتقل وينكل ويتجسس ويقتل وكل ذلك يضر باقتصاد المملكة.
وبعد أكثر من 3 سنوات من إطلاق إصلاحات “رؤية 2030” المزعومة يهرب المستثمرين ورؤوس الأموال من المملكة خوفاً من الانتهاكات المستمرة بحق المواطنين فيما يتعلق بحقوق الانسان.
وتحرص المملكة على تقديم نفسها للعالم كاقتصاد مزدهر ولاعب جيوسياسي رئيسي.
في عام 2017، أعلن ولي العهد “رؤية 2030″، وهو برنامج للإصلاحات واسعة النطاق يحتوي مخططا لتنويع الاقتصاد السعودي وتقليل اعتماده على النفط، ولكنه يحتوي أيضًا على خطط لتطوير العديد من جوانب القطاع العام، من التعليم إلى السياحة.
ولكن منذ ذلك الوقت، انخفض الاستثمار الأجنبي، وارتفعت أسعار المنازل، وغادر العديد من العمال الأجانب البلاد.
ربما يكون من المحتم أن تشهد أي دولة انخفاضا قصير الأجل في الاستثمار بعد إعلان أنها ستخفض اعتمادها على مورد مالي كانت تعتمد عليه بشدة في السابق. وهذا ينطبق بشكل خاص في حالة وجود مورد مربح مثل النفط.
في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 كان “بن سلمان” وراء حملة وحشية ضد العديد من منافسيه السياسيين، حيث تم جمع أفراد العائلة المالكة السعودية وشخصيات قوية أخرى في معتقل فاخر في “ريتز كارلتون” في العاصمة الرياض.
وتعرض المعتقلون للتعذيب النفسي والابتزاز والتعذيب البدني. وتم اعتقال مئات من أفراد العائلة المالكة والسياسيين والمستثمرين في ذلك المساء الاستثنائي، حيث تحولت القاعات الرخامية البراقة في فندق “ريتز كارلتون” إلى سجن كبير.
وتم إخبار المحتجزين أن عليهم التنازل عن جزء كبير من ثرواتهم من أجل إطلاق سراحهم.
ووصف “بن سلمان” القمع العنيف ضد خصومه بأنه عمل وطني، يهدف إلى القضاء على الفساد في البلاد، ولكن من الواضح الآن أن هذه الخطوة لم تكن أكثر من محاولة لتعزيز سلطته الخاصة وإرسال رسالة إلى منافسيه المحليين.
في أعقاب ذلك، حكم “بن سلمان” المملكة بقبضة حديدية، وجاءت اللحظة الأكثر شهرة ووحشية في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، عندما قُتل الصحفي في “واشنطن بوست” الأمريكية “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في إسطنبول.
أضف ذلك إلى تصاعد الحرب الوحشية في اليمن، ولهذا ليس غريبا أن سمعة المملكة تراجعت تحت قيادة “بن سلمان” وتضررت بشكل لا يمكن إصلاحه.
وفي ظل هذه الخلفية، كان لابد للاستثمار الأجنبي في البلاد أن يتعثر.
وبالنسبة للكثيرين في البلاد، كان هناك قلق حقيقي من أن هذه الأنواع من الإجراءات تجعل القيادة في البلاد تبدو غير مستقرة، مما يؤجل دخول المستثمرين الأجانب في القطاع الخاص وفق أهداف رؤية 2030.
وبالفعل، قرر العديد من المستثمرين الأجانب في ذلك التوقيت إما الاحتفاظ بأموالهم إلى أن يستقر الوضع، أو البحث ببساطة في مكان آخر.