يوافق اليوم، التاسع من سبتمبر/ أيلول الذكرى السنوية الثالثة لحملة الاعتقالات الشهيرة التي نفذها ولى العهد محمد بن سلمان وطالت عشرات العلماء والدعاة والمفكرين والشعراء والأكاديميين والصحفيين السعوديين بتهمة الانتماء لـ”تيار الصحوة”.
وبدأت حملة الاعتقالات العنيفة التي شُنّت ضد “تيار الصحوة” في مطلع سبتمبر 2017، عندما أوردت وكالات الأنباء العالمية نبأً يفيد باتصال هاتفي بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، برعاية أميركية، للجلوس على طاولة حوار وبحث مآلات الأزمة الخليجية.
وشرعت سلطات آل سعود باعتقال العلماء د.سلمان العودة ود. عوض القرني قبل أن تتوسع لتطال شيوخاً وكتّاباً وصحافيين.
وقام العودة حينها بالكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي مباركاً هذه الخطوة وداعياً للوحدة بين الخليجيين، مما دفع السلطات لاعتقاله مع الداعية الإسلامي الآخر عوض القرني.
وبينما كان المراقبون في السعودية يتوقعون أن يكون اعتقال العودة والقرني مجرد توقيفات اعتيادية يقوم بها النظام السعودي كل مرة، فوجئ الجميع بحملة كبيرة استهدفت “تيار الصحوة” بأكمله.
وشملت الاعتقالات شيوخ “الصحوة” مثل ناصر العمر وسعيد بن مسفر ومحمد موسى الشريف ويوسف الأحمد وعبد المحسن الأحمد وغرم البيشي وخالد العودة شقيق سلمان العودة.
ولم تقف القائمة عند الدعاة الإسلاميين فحسب، بل شملت المفكرين والاقتصاديين المتعاطفين مع “تيار الصحوة”، مثل عصام الزامل وعبدالله المالكي، ومصطفى الحسن الذي أفرج عنه لاحقاً بسبب تدهور حالته الصحية وإصابته بالسرطان.
وعلي أبو الحسن والمنشد الإسلامي ربيع حافظ والروائي فواز الغسلان والصحافيين خالد العلكمي وفهد السنيدي، ورئيس رابطة الصحافة الإسلامية أحمد الصويان، والدكتور يوسف المهوس عميد كلية العلوم الإنسانية في جامعة حوطة سدير.
ولم تتوقف الحملة التي أطلقت المنظمات السعودية عليها “حملة سبتمبر”، إذ لا تزال مستمرة حتى بعد مرور ثلاثة أعوام، إذا اعتقتلت سلطات آل سعود الأيام الماضية الشيخ القارئ د. عبد الله بصفر والأكاديمي سعود الفنيسان عميد كلية الشريعة في جامعة الإمام بالرياض سابقا.
وشملت حملة سبتمبر أيضا الداعية الإسلامي والأكاديمي في المعهد العالي للقضاء عبد العزيز الفوزان، وإمام الحرم المكي صالح آل طالب، والمفكر الإسلامي والشيخ سفر الحوالي، والشيخ السوري المقيم في السعودية محمد صالح المنجد.
ولم توجّه سلطات آل سعود لمعتقلي “الصحوة” أي تهمة رسمية علنية، لكن الأذرع الإعلامية التابعة لها اتهمت المعتقلين بالعمالة لجهات خارجية والسعي لتخريب البلاد، فيما لم تُعقد أي محاكمة علنية لأي من المتهمين.
وتتحفّظ سلطات آل سعود على معظم معتقلي سبتمبر في أماكن مجهولة وشقق خاصة تابعة لجهاز أمن الدولة، وهو الجهاز الذي أنشأه محمد بن سلمان ليدير حملات الاعتقال ضد مناوئيه.
لكن عدداً من المعتقلين يقبعون في سجني الحائر في مدينة الرياض، وذهبان في مدينة جدة، وهما أشهر سجنين سياسيين في البلاد.
وأكدت متحدثة باسم ذوي معتقلي الرأي في سجون نظام آل سعود تدهور الأوضاع الإنسانية والصحية والمعيشية داخل سجون المملكة التي يقبع خلفها المئات دون تهم قضائية.
وقالت المتحدثة في رسالة نصية – ورفضت الكشف عن هويتها – داخل السجون لا دواء ولا طعام ولا ظروف صحية.
وأضافت: هل تساءلت ما تقدمه سلطات آل سعود للمعتقلين من دواء أو طعام أو مستلزمات.
ونوهت إلى أن الأدوية قليلة، ولا تستجيب السلطات لمطالب المرضي منهم ولا تخرجهم للمستشفيات، تحت ذريعة فيروس كورونا.
وأشارت إلى أن التموين الغذائي قليل جدا، ولا يكفيهم، وإن ما يصلهم “لا يصلح للطعام الحيواني”.
وكشفت المتحدثة النقاب عن أن سجون المملكة تطالب المعتقلين السياسيين بدفع الضرائب على بعض المستلزمات الداخلية، وتساءلت: “من أين يؤتون بالمال لكي يدفعون لكم الضرائب”.
وأبرز المعتقلين المرضي الذين ترفض سلطات آل سعود منحهم الدواء هم: المفكر الإسلامي د. سلمان العودة ود. محمد الحضيف وآخرين.
وتعزل الأجهزة الأمنية – بأوامر عليا – بعض المعتقلين العاجزين عن قضاء حوائجهم، كالشيخ د. سفر الحوالي والقيادي في حركة حماس د.محمد الخضري وآخرين.
وتعمد السلطات الأمنية إهمال نظافة الزنازين بينما يضرب فيروس كورونا المملكة بشدة.
كما تعمد إلى تمديد اعتقال أصحاب الأمراض المزمنة أو الإعاقات الجسدية، كالدكتور زايد البناوي وزهير كتبي وضيف الله زيد السريح وآخرين.
وكشفت مؤسسات حقوقية عن إعطاء السلطات الأمنية عقاقير وأدوية نفسية لمعتقلي رأي داخل السجون ما تسبب لهم بأمراض وإدمان.
وسبق أن تعمدت سلطات آل سعود تأخير العلاج وموعد العمليات الطبية لبعض المعتقلين كما حصل مع الحقوقي الدكتور عبد الله الحامد الذى توفى داخل السجن في إبريل/ نيسان 2020م.
وليس هذا فحسب، بل تجاهلت سلطات آل سعود إهمال علاج الجروح والكسور للمعتقلين إزاء تعرضهم للضرب والتعذيب كما حصل مع المعتقلين لجين الهذلول والدكتور علي العمري وآخرين.
وتعتقد مؤسسات حقوقية أن الصمت الأممي والدولي إزاء جرائم آل سعود سيدفع بالمزيد من ضحايا المجرم ولى العهد داخل المملكة وخارجها.
وحذرت مؤسسات حقوقية من سياسية الإهمال الطبي، والاغتيال البطيء الذي تتعمده سلطات آل سعود بحق المعتقلين كما حصل مع الصحفي الراحل صالح الشيحي.
وتوفي العديد من معتقلي الرأي تباعا في سجون سلطات آل سعود منذ قدوم محمد بن سلمان إلى السلطة، منهم: الشيخ فهد القاضي، والشيخ سليمان الدويش، والشيخ أحمد العماري، والكاتب تركي الجاسر، واللواء علي القحطاني.
كما توفى داخل سجون آل سعود: الفنان الشعبي محمد باني الرويلي، والشاب حسن الربح، والشيخ صالح الضميري، وأحمد الشايع، وبشير المطلق، ومحمد رصب الحساوي.
ويعتقد أن هناك أسماء أخرى قد تكون قد توفيت ولم يفصح عنها سلطات آل سعود.
ويعيش معتقلو سبتمبر في ظروف إنسانية سيئة، وفق ما تقول المنظمات الحقوقية المهتمة بملف المعتقلين في البلاد، إذ يعاني الكثير منهم، وعلى رأسهم سلمان العودة وسفر الحوالي، من عدة أمراض مزمنة.
وتحرم سلطات آل سعود المعتقلين من الاتصالات والزيارات، لكنها استثنت حالات بسيطة جداً.
ويعدّ “تيار الصحوة” أحد أكبر التيارات الإسلامية في السعودية الذي جرت بحقه حملة الاعتقالات الكبرى، أحد أكبر التيارات الإسلامية في البلاد، وشهد عصره الذهبي في ثمانينيات القرن الماضي، مع نموه بشكل مضطرد وبدعم حكومي كبير لمواجهة تنامي الموجة الثورية الإسلامية التي جاءت بها الثورة الإيرانية بقيادة روح الله الخميني.
وعلى الرغم من حصول حالات صدام بين الحكومة و”تيار الصحوة”، خصوصاً بعد حرب الخليج عام 1991 واعتراض رموز التيار ومنهم سلمان العودة وسفر الحوالي وعوض القرني على هذه الحرب، فإن النظام السعودي السابق كان يتعامل معهم بشكل أقل حدة خوفاً من انسداد أفق التعامل معهم مستقبلاً، وهو ما حدث الآن.