صعدت السلطات السعودية حملتها الممنهجة القائمة على استهداف شخصيات المجتمع البارزة التي تؤمن بالإصلاح وقيم حقوق الإنسان.
وشمل ذلك عدداً كبيراً من الوجوه الأدبية والإعلامية والأكاديمية البارزة.
وثق مركز الخليج لحقوق الإنسان اعتقالات تعسفية وأحكام سجن طويلة بتهم ملفقة في محاكم تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية للمحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة، مع بقاء العديد خلف القضبان دون معرفة طبيعة التهم الموجهة ضدهم.
وقد اعتقل عدد منهم على إثر انطلاق “حراك 15 سبتمبر/أيلول” في سنة 2017 حيث تصدر هذا الوسم تويتر بتاريه 14 سبتمبر/أيلول 2017.
ودعا القائمون على وسم #حراك_15سبتمبر إلى التظاهر احتجاجاً على ما وصفوه بالسياسيات القمعية للحكومة، تردي الخدمات الاجتماعية، وارتفاع نسب البطالة، وطالبوا بمعالجة هذه المشاكل ورفع الظلم عن المرأة.
محاكمات جائرة
استخدمت السلطات السعودية في المحاكمات التي تصدت لنشاطات السلمية على الإنترنت، المادة 6 في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، والتي تنص على:
“يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين من يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية الآتية: 1 – إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام.”
سخرت السطات السعودية المحكمة الجزائية المتخصصة، التي تأسست في سنة 2008 للنظر في قضايا الإرهاب، من أجل تقييد التنوع في الآراء ووضع ناشطي حقوق الإنسان والمطالبين بالإصلاح في السجون وبإحكام ثقيلة.
بتاريخ 24 أبريل/نيسان 2020، نشر الكاتب والروائي علي الشدوي تغريدة في حسابه على تويتر على اثر وفاة مدافع حقوق الإنسان الدكتور عبد الله الحامد جاء فيها، “عزائي لأهله ومحبيه. صفحة زاهية تطوى من التاريخ”.
وقد توقف حسابه في اليوم التالي وتم اعتقاله في 30 سبتمبر/أيلول 2017 بدون معرفة طبيعة التهم الموجهة ضده.
كان الشدوي يكتب في عددٍ من المجلات والصحف السعودية والعربية.
وصدرت له العديد من الروايات والدراسات من بينها كتاب، “جماليات العجيب والغريب، مدخل إلى ألف ليلة وليلة” الذي صدر في سنة 2004، و “طيور أثيوبيا” وهي رواية صدرت في سنة 2014.
كما فاز بجائزة الباحة للإبداع في مجال القصة القصيرة عن قصته، “الحلو في مرحه وجذله وغيه”.
استهداف نشطاء حقوق الإنسان
في 4 أكتوبر/تشرين الأول 2017، اعتقل الدكتور مبارك بن سعيد بن زعير ضمن حملة اعتقالات واسعة قامت بها القوات الأمنية السعودية في شهر سبتمبر/أيلول 2017 شملت عدداً كبيراً من مدافعي حقوق الإنسان، الأكاديميين، الإعلاميين، الكتاب، ورجال الدين.
والدكتور زعير، 47 سنة، هو أستاذ مساعد في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد تم اعتقاله عدة مرات في السابق بسبب نشاطه الكبير البالغ في الدفاع عن سجناء الرأي.
وقد تم إبعاده عن التدريس وتحويله إلى العمل الإداري من أجل إبعاده عن الطلبة.
بتاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2017، قامت القوات الأمنية باعتقال الدكتور رزين بن محمد الرزين واقتادته إلى جهة مجهولة دون إعطاء أية معلومات عن أسباب اعتقاله وطبيعة التهم الموجهة ضده.
وتعرض الرزين للاختفاء القسري منذ تاريخ اعتقاله وحتى 06 يناير/كانون الثاني 2018، ولم يُسمح له بتوكيل محام.
والدكتور الرزين هو أستاذ الحسبة والرقابة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عضو المجلس التنفيذي لجمعية حماية المستهلك بالسعودية.
اعتقال بسبب رأي علني
ذكرت التقارير المحلية أن سبب الاعتقال هو اعتراضه على قرار رفع أسعار الأدوية المزمنة التي يحتاجها المريض باستمرار، ومحاربته بقوه للغش التجاري وجشع بعض التجار ضمن سعيه لحماية المستهلك.
وهو يحمل شهادة الماجستير في العقيدة والمذاهب الفكرية المعاصرة، ومعروف عنه معارضته للتطبيع مع إسرائيل ودفاعه عن الحريات العامة.
بتاريخ 14 ابريل/نيسان 2016، بمقالةٍ له نشرها في صحيفة الجزيرة، وهي صحيفة سعودية يومية، تحت عنوان، “الفساد العلمي الخطر الصامت” كتب يقول، “يتحدث الناس كثيراً عن الفساد المالي بلا توقف، وهو قضية العصر وشغله الشاغل، ولا شك في خطره على المجتمع، فالاقتصاد عصب الحياة، ولكن الفساد العلمي أخطر وأسوأ.”
اعتقال الكاتب المالكي
في تاريخ 12 سبتمبر/أيول 2017، داهمت القوات الأمنية منزل الكاتب والباحث عبد الله المالكي وقامت باعتقاله.
حكمت المحكمة الجزائية المتخصصة في سبتمبر/أيلول 2020 عليه بالسجن سبع سنوات بسبب تغريداته، وغيرها من منشوراته على الإنترنت التي كتب فيها عن حرية التعبير والتمثيل السياسي، ودافع فيها عن أعضاء جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم).
كانت من التهم الموجهة ضده، “تحريض الراي العام على ولي الأمر”.
يبلغ المالكي 43 سنة من العمر، حاصل على الماجستير في العقيدة والمذاهب الفكرية المعاصرة من جامعة ام القرى بمكة المكرمة.
كان للمالكي تأثير كبير في أوساط الشباب، وله كتاب يحمل عنوان، “سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة، وصفه الصحفي جمال خاشقجي في تغريدة كتبها بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 على حسابه في تويتر تضمنت ما يلي، “كتاب عبدالله المالكي، سيادة الأمة قبل تطبيق الشريعة رأي تقدمي لن يجرؤ عليه كثير من “الليبراليين” الذين يهللون ويبررون الاعتقالات.” الكتاب ممنوع من التداول في داخل السعودية.
تتصدر حسابه على توتير العبارة التالية، “أيتها السلطة اللعينة.. قفي عند حدودك ولا تتوغلي في فضائنا.. لكي نتفرغ: للسجود والتسبيح تارة.. وللحب والغناء تارةً أخرى.” في 07 سبتمبر/أيلول 2017 نشر التغريدة التالية، ” أيّاً كان شكل النظام السياسي الذي تقترحه وتؤمن بجدوى صلاحه؛ فليس هناك أخطر ولا أسوأ من أن تكون إرادة فردٍ من الناس؛ لها قوة القانون النافذ”.
اعتقال الأكاديمي الحسني
في تاريخ 08 فبراير/شباط 2021، اعتقلت السلطات الأمنية المغربية الدكتور اسامة الحسني وهو أكاديمي من السعودية، في منزله بمدينة طنجة، بعد أربع ساعات من وصوله إلى المغرب، حيث كان يعتزم الالتحاق بزوجته وطفله الرضيع الذي لم يتجاوز عمره آنذاك أربعة أشهر.
وتم الاعتداء عليه بالضرب والسباب أمام زوجته وطفله. لقد جاء اعتقاله بعد إصدار الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) مذكرة توقيف ضده ووضعه على نشرتها الحمراء للهاربين الخطرين بطلبٍ من السلطات السعودية. يجب استخدام النشرات الحمراء فقط في حالات “القتل، الاغتصاب، إساءة معاملة الأطفال، أو السطو المسلح.”
يحمل الحسني، البالغ من العمر 42 سنة، الجنسية الأسترالية وقد حصل على شهادة الدكتوراه في نظم المعلومات، وهو عضو سابق في هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيزفرع شمال جدة، وانتقل للعيش في بريطانيا خلال السنين الأخيرة.
ترحيل قسري
بتاريخ 10 مارس/آذار 2021، أصدرت محكمة النقض بالمغرب قراراً بترحيله الحسني إلى السعودية، حيث تم تسليمه للسلطات السعودية بعد صدور هذا القرار وذلك بتاريخ 13 مارس/آذار 2021، وكان واضحاً السرعة القياسية التي جرت فيها اجراءات ترحيله.
تعرض الدكتور الحسني إلى ظروف اعتقال قاسية في المغرب ولم تستطيع زوجته مقابلته إلا لمدة خمس دقائق.
كذلك سمح لمندوب عن السفارة السعودية في المغرب بحضور جلسة محاكمته مما يمكن اعتباره تدخلاً سافراً في عمل القضاء المغربي واستقلاليته.
أفادت تقارير محلية أن محكمة سعودية كانت قد حكمت عليه سابقاً، بالسجن لمدة عامين، لكنه نفى جميع الاتهامات الموجهة ضده.
قالت زوجته هناء الحسني، المغربية الجنسية، على حسابها في تويتر، الذي تم غلقه بعد ترحيل زوجها، ” بخصوص التهمة الكيدية المنسوبة إليه فزوجي أشرف وأطهر من ذلك، ابن حسب ونسب من أسرة عريقة علمية لها باع وتاريخ ناصع البياض، وهم محطة محبة وتقدير من الناس.”
واستنكر مركز الخليج لحقوق الإنسان قيام السلطات المغربية ترحيل الدكتور أسامة الحسني إلى بلد معروف بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومن الممكن أن يتم تعذيبه فيه وتعرضه لمحاكمة غير عادلة، وكذلك يطالب السلطات السعودية الإفصاح عن مكانه الحالي ووضعه القانوني.
اعتقال تعسفي
في قضية يعود تاريخها إلى 14 عاماً، لايزال الدكتور سعود مختار الهاشمي، 57 سنة من العمر، رهن الاعتقال في سجن ذهبان منذ أن تم اعتقاله في فبراير/شباط 2007.
والهاشمي يحمل شهادة الدكتوراه في طب الأسرة والمجتمع، وتميز بحضورٍ إعلامي وظهر في عدة ندوات تلفزيونية.
وكان الدكتور الهاشمي يكتب مقالاً اسبوعياً في جريدة المدينة بعنوان لسع وعسل.
بتاريخ 2 فبراير/شباط 2007، تم اعتقاله مع تسعة ناشطين آخرين من بينهم مدافع حقوق الإنسان البارز الشيخ سليمان الرشودي وذلك بمدينة جدة وكانت الشخصيات العشرة مجتمعة من أجل صياغة بيان إصلاحي يوجه للملك يطالبون فيه ببعض الحقوق للشعب في السعودية.
حُكم عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أي بعد خمس سنوات من الاعتقال من قبل المحكمة الجزائية المتخصصة، بالسجن لمدة ثلاثين سنة ومنع السفر لنفس الفترة وغرامة قدرها مليونين ريال سعودي.
قضى الهاشمي ثلاث سنوات في الحبس الانفرادي كما تم منعه من الزيارة لمدة سنتين. تردت حالته الصحية في السجن وأجريت له عمليتين جراحتين.
كما تحدث شقيقه، عبدالعزيز الهاشمي عبر حسابه علي موقع تويترعن تعرض شقيقه لعمليات تعذيب بين الحين والاخر كما ذكر إنهم، «يمنعونه من النوم، كما يضعونه في زنزانة يتم التحكم بدرجة الحرارة فيها، وتتراوح بين درجات ما تحت الصفر، حتى الدرجة 40، أي الحر الشديد في إطار التعذيب المتواصل للرجل. بعد اضرابه عن الطعام.”
والهاشمي هو أحد افراد المجموعة المعروفة باسم “اصلاحيو جدة” كان هدفها الأساسي هو صياغة بيان يدعو إلى الإصلاح السياسي.
استهداف مثقفين
بتاريخ 09 سبتمبر/أيلول 2017، اعتقل الدكتور علي العمري ضمن حملات اعتقال المثقفين، التي جاءت بعد أن أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد في 21 يونيو/حزيران 2017.
في 05 سبتمبر/أيلول 2018 طالبت النيابة العامة من المحكمة الجزائية المتخصصة إصدار حكم الإعدام ضده بعد أن وجهت ضده أكثر من ثلاثين تهمة منها تشكيل منظمة شبابية في السعودية.
والدكتور علي العمري، 49 عاماً من العمر، هو رئيس جامعة مكة المكرمة المفتوحة، ومن مدينة جدة.
كان خطابه معتدلاً موجهاً للشباب في السعودية. ألف أكثر من 70 كتاباً وأنتج أكثر من 20 برنامجاً تلفزيونياً. حصل على لقب سفير السياحة العربية سنة 2012 عن برنامجه مذكرات سائح.
من مؤلفاته كتاب مشكلات وحلول في حياة الشباب. كان يعمل كمشرف عام على قناة فور شباب الفضائية وحصل على جائزة أفضل إعلامي لسنة 2008 من قناة الرسالة الفضائية.
اعتقال أستاذ جامعي
بتاريخ 24 سبتمبر/أيلول 2017، قامت القوات الأمنية باعتقال الدكتور سامي بن عبد العزيز الماجد أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود دون بيان أسباب الاعتقال، كذلك تم منعه من توكيل محام ٍ.
ذكرت تقارير محلية أنه خضع في فبراير/شباط 2020 لجلسة سرية ضمن محاكته أمام المحكمة الجزائية المتخصصة.
بتاريخ 08 سبتمبر/أيلول 2017، قام الدكتور سالم الديني بآخر نشاطاته على حسابه في تويتر حيث تم اعتقاله في اليوم التالي.
وقد تمت إقالته من منصبه كوكيل لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية لشؤون التنمية الاجتماعية.
والماجد حاصل على شهادة الدكتوراه سنة 2005 من جامعة تكساس إي آند إم في أمريكا، ودبلوم في استخدام العلاج المعرفي في تعديل السلوك من كلية اميرالد في بريطانيا.
وقد ساهم في كثير من المشاريع غير الربحية وله العديد من المشاركات في العمل التطوعي بما ذلك الأنشطة الطلابية والجمعيات الإغاثية والخيرية. أكدت مصادر موثوقة ان نشاطاته هذه كانت السبب في اعتقاله.
اعتقال صحفي بارز
شهدت صفحة الفيسبوك العائدة الى الدكتور أحمد بن عبدالرحمن الصويان أخر نشاطاته في 16 سبتمبر/أيلول 2017، حيث تم اعتقاله في اليوم التالي من قبل القوات الأمنية.
والدكتور الصويان هو رئيس رابطة الصحافة الاسلامية ورئيس مجلس ادارة مجلة البيان وكانت له العديد من النشاطات الإعلامية، وعُرف عنه دفاعه عن حقوق الشعب الفلسطيني.
في شهر سبتمبر/أيلول 2020، حكمت عليه المحكمة الجزائية المتخصصة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهم ملفقة تتعلق بنشاطاته الإعلامية، في انتهاك لحقه في حرية التعبير.
إدانة حقوقية لانتهاكات السعودية
أدان مركز الخليج لحقوق الإنسان اعتقال وسجن المفكرين البارزين الذين لهم نفوذ في المجتمع السعودي والذين صدرت الأحكام ضدهم بعد محاكمات صورية تتضمن تهم ملفقة.
وأكد المركز أن ممارسات السلطات السعودية تخالف القانون الدولي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى الالتزامات الدولية والوطنية للمملكة، ولا سيما واجبها في حماية الحقوق المدنية والإنسانية للمواطنين.
كما انتقد مركز الخليج لحقوق الإنسان السلطات السعودية في أعلى مراتبها بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، التي تبنت سياسة منهجية لاستهداف الأصوات المؤثرة التي تؤمن بالإصلاحات وحقوق الإنسان.
وشدد على أن ذلك يمثل دليلاً آخر على سعي السلطات السعودية للقضاء على الحركة الحقوقية ودورها البناء في الدفاع عن حقوق الشعب.
وطالب المركز الحقوقي السلطات السعودية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من المثقفين الأدبيين والإعلاميين والأكاديميين وإسقاط جميع التهم الموجهة ضدهم.
وشدد على وجوب حماية الحريات العامة في السعودية بما في ذلك حرية التعبير خارج الإنترنت وحرية الصحافة.
وطالب المركز بضمان وفي جميع الظروف أن يكون جميع المدافعين عن حقوق الإنسان، الصحفيين، الكتاب، والأكاديميين في السعودية قادرون على القيام بعملهم المشروع في مجال حقوق الإنسان دون خوف من الانتقام وبلا قيود على ذلك بما في ذلك المضايقة القضائية.