
في تطور لافت يفتح ملف استضافة كأس العالم 2034 على مصراعيه، تقدّمت منظمة الكرامة الحقوقية، بشكوى رسمية مزدوجة إلى كل من الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، تطعن في نزاهة منح السعودية استضافة البطولة وتكشف عن انتهاكات إجرائية وحقوقية قالت إنها تقوّض الأسس الأخلاقية والقانونية لهذا القرار.
وتمثل هذه الشكوى أحدث حلقة في سلسلة من التقارير التي بدأت في أكتوبر وديسمبر 2024، وتُعد المرة الأولى التي تُختبر فيها آلية التظلمات المتعلقة بحقوق الإنسان داخل الفيفا، ما يُعد اختبارًا حاسمًا لمدى التزام الاتحاد الكروي الأكبر عالميًا بمبادئ الشفافية والمساءلة.
العملية المغلقة والمخاوف من “تطبيع القمع”
بحسب تقرير الكرامة، فإن الفيفا اتخذ قرار منح السعودية تنظيم البطولة في عملية تصويت متسرعة وغامضة، بعيدة عن الممارسات المعتادة التي تضمن المنافسة المتكافئة.
ففي أكتوبر 2023، أعلن الاتحاد دمج عمليتي تقديم العروض لمونديالي 2030 و2034 في مسار تصويت واحد، ما حرم الاتحادات الأعضاء من مناقشة كل ملف على حدة.
ومع انسحاب أو استبعاد منافسين محتملين للسعودية، أصبحت الرياض المرشّح الوحيد خلال أيام، ليتم بعد ذلك التصويت بالتزكية عبر جلسة افتراضية في ديسمبر 2024، دون أي تقييم علني لملف حقوق الإنسان أو حوار مع أصحاب المصلحة.
وأكدت منظمة الكرامة أن هذه العملية تفتقر للشفافية والحياد، وأن الفيفا انتهك بذلك مبادئه الخاصة والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، لا سيما تلك الواردة في المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
تقييم حقوقي “منحاز” وتعامل رسمي “صوري”
من بين القضايا التي أثارتها الكرامة، تعيين السلطات السعودية لمكتب المحاماة AS&H Clifford Chance لإعداد تقييم لسياق حقوق الإنسان في البلاد.
والتقرير، الذي استُكمل في غضون ستة أسابيع فقط، واجه انتقادات شديدة من منظمات حقوقية وخبراء مستقلين وصفوه بأنه “تستر” قانوني يُخفي الانتهاكات الهيكلية في البلاد.
أبرز أوجه القصور في التقرير:
استبعاد قضايا حرجة مثل حرية التعبير، أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، واستخدام تشريعات مكافحة الإرهاب.
الاعتماد على مصادر حكومية حصراً.
تجاهل المجتمع المدني، والنقابات، والمجتمعات المتضررة.
ووفقاً للكرامة، فإن الفيفا تبنّى هذا التقييم المعيب دون تدقيق مستقل، مما يثير تساؤلات حول مدى التزامه بمبدأ العناية الواجبة وتوفير آليات فعالة للرقابة.
مخاطر حقيقية على الأرض
تُحذر الكرامة من أن إسناد البطولة للسعودية قد يُسهم في شرعنة الانتهاكات الحقوقية بدلًا من معالجتها. وتشير المنظمة إلى سجل المملكة في:
قمع المدافعين عن حقوق الإنسان واستخدام قوانين مكافحة الإرهاب كأداة للترهيب.
استمرار الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، بما في ذلك بحق ناشطين على الإنترنت.
تعذيب المحتجزين وحرمانهم من الرعاية الطبية والضمانات القضائية.
التضييق على حرية التعبير والتجمع وغياب الإعلام المستقل.
وفي سياق الاستعدادات لكأس العالم، يبرز مشروع مدينة نيوم المستقبلية كمثال على مشاريع “التطوير القسري”، حيث تتهم تقارير أممية الحكومة بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق قبيلة الحويطات، بما في ذلك عمليات إخلاء قسري واستخدام مفرط للقوة.
وفي مارس 2025، تم تسجيل أول حالة وفاة لعامل مهاجر في أحد مواقع بناء منشآت البطولة، ما أعاد تسليط الضوء على مخاطر العمل القسري وظروف العمل السيئة في غياب معايير دولية فعالة للحماية.
انتهاك المبادئ الدولية
تؤكد الكرامة أن قرار الفيفا ينتهك المبادئ الأساسية المعلنة في ميثاقه وفي مبادئ الأمم المتحدة، خاصة:
المبدأ 13: الفشل في التخفيف من المخاطر الحقوقية المرتبطة بالاستضافة.
المبدأ 17 والمبدأ 18: غياب إجراءات العناية الواجبة أو التشاور مع المتضررين.
المبدآن 23 و24: التراخي في اتخاذ تدابير استثنائية رغم وجود بيئة عالية الخطورة.
مطالب بسحب الملف وإعادة التقييم
في طلبها إلى الفيفا، تدعو الكرامة إلى:
إلغاء اختيار السعودية كمضيف لكأس العالم 2034.
إعادة إطلاق عملية تقديم العروض بإجراءات شفافة تشمل تقييمًا مستقلًا لحقوق الإنسان.
إلزام الدولة المضيفة بتقديم تعهدات مكتوبة بإصلاح القوانين، خاصة قوانين مكافحة الإرهاب وقمع حرية التعبير.
إشراك المجتمع المدني المستقل والنقابات في عمليات الرقابة والمساءلة.
إنشاء آلية إشراف ملزمة ترافق مراحل التخطيط والتنفيذ للبطولة.
كما حثّت الكرامة الأمم المتحدة على متابعة هذه الشكوى عن كثب، وتقييم مدى امتثال الفيفا لواجباته الدولية ومساءلته عن القرارات التي تؤثر على حقوق الملايين.
دعوة جماهيرية للمحاسبة
وجّهت منظمة الكرامة دعوة إلى مشجعي كرة القدم، ومنظمات العمال، والمدافعين عن الحريات، إلى التفاعل مع آلية التظلمات الخاصة بالفيفا، وتقديم شكاوى جماعية ترفض استخدام البطولات الرياضية كغطاء لتطبيع القمع.
وقالت المنظمة إن هذه اللحظة تمثّل اختبارًا حاسمًا ليس فقط لمصداقية الفيفا، بل أيضًا لقدرة المجتمع الدولي على الدفاع عن حقوق الإنسان في مواجهة المصالح الاقتصادية والسياسية.
“كأس العالم ليس مجرد لعبة، بل مسؤولية. ولا يمكن للفيفا أن يُهدي البطولة لدولة تنتهك أبسط حقوق من يُفترض أن يُكرمهم الحدث: الإنسان”، ختمت الكرامة في بيانها.