قال Responsible Statecraft الأمريكي إن مبادرة السعودية الأخيرة في اليمن استهدفت استرضاء واشنطن ولا جديد فيها.
وذكر الموقع أنه “من الواضح أن اقتراح السعودية لوقف إطلاق النار في اليمن، يهدف فقط إلى استرضاء أمريكا، فهو لم يأتِ بأي جديد”.
واقترح السعوديون على جماعة الحوثي شروطا لوقف إطلاق النار لكن الشروط تشبه إلى حد بعيد ما تم عرضه سابقا.
والأهم من ذلك أن الحوثيين ينتصرون في الحرب الأهلية في اليمن، لذلك من دون حافز كافٍ، فمن المرجح أن يواصلوا دفعهم للاستيلاء على مدينة مأرب الاستراتيجية على أي حال.
وأكد الموقع أنه إذا كان السعوديون والولايات المتحدة جادين في تنفيذ وقف إطلاق النار، فسيتعين عليهم تغيير نهجهم بشكل كبير، أي من خلال رفع الحصار الذي يجوع اليمن.
ونبه الموقع إلى أنه بالنظر إلى المكاسب الأخيرة التي حققها الحوثيون في جهودهم المستمرة للسيطرة على مدينة مأرب ذات الأهمية الاستراتيجية، فإن رفع الحصار من جانب واحد قد لا يقنعهم بوقف هجومهم الآن.
وتمتلك مأرب احتياطيات وبنية تحتية من النفط والغاز فضلاً عن الأسلحة.
وتمثل المدينة آخر معقل للقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا والمدعومة من السعودية.
وإذا استولى الحوثيون على مأرب، فسيعززون سيطرتهم على جزء كبير من شمال اليمن السابق، وسيحبطون بشكل فعال الحكومة اليمنية.
وجاءت المبادرة السعودية للسلام في اليمن لتمثل محاولة من الرياض للخروج من المستنقع اليمني.
ولكنها أيضاً تشكل مسعى لإبراء الذمة أمام الغرب الذي بات يلومها على الحرب التي تبدو بلا نهاية.
وأعلن فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، خلال مؤتمر صحفي أن المبادرة السعودية للسلام في اليمن تشمل وقف إطلاق النار في أنحاء البلاد تحت إشراف الأمم المتحدة.
ونصت المبادرة على بدء المشاورات بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة برعاية الأمم المتحدة بناء على مرجعيات قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢١٦، والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل.
وتعطي المبادرة مكاسب عدة للحوثيين، منها وقف إطلاق النار، وفتح مطار صنعاء لبعض الوجهات الدولية والإقليمية، والسماح باستيراد الغذاء والوقود.
وقال الوزير السعودي إن المبادرة سوف تنفذ فور قبول كل الأطراف لها، إلا أنه أكد بشكل خاص، حق الرياض في الدفاع عن أراضيها ضد هجمات الميليشيات الحوثية.
الرد الحوثي
واعتبرت جماعة “أنصار الله” الحوثية أن المبادرة السعودية للسلام في اليمن “لا تتضمن أي شيء جديد”.
وتسعى السعودية، في محادثات وقف إطلاق النار، إلى الحصول على ضمانات بشأن أمن الحدود وكبح نفوذ إيران.
وتريد الرياض إقامة منطقة عازلة داخل اليمن على طول الحدود. ويريد الحوثيون إنهاء الحصار على ميناء الحديدة اليمني ومطار صنعاء.
وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق، فستتم إحالته إلى مبعوث الأمم المتحدة غريفيث؛ للتجهيز لمحادثات سلام أوسع نطاقاً، تشمل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي تدعمها السعودية، والمتمركزة حالياً في عدن، وفق ما أكده مصدر مطلع في حديثه مع الوكالة.
فتح ميناء الحديدة.. إغراء كبير للحوثيين
تحاول المبادرة السعودية للسلام في اليمن التلويح للحوثيين بالمساعدات الإنسانية وعملية الإعمار.
إذ قال السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر في المؤتمر الصحفي الخاص بالإعلان عن المبادرة، إن بلاده تدعم اليمن منذ عقود بمليارات الدولارات، وإنها مستمرة في دعم الحكومة اليمنية ومعرفة احتياجاتها الاقتصادية.
ولكنه شدد على أن الرياض ستنسق في هذا الأمر مع الحكومة الشرعية، في محاولة لتعزيز موقف هذه الحكومة باعتبار أن إحدى أوراق قوتها في المفاوضات مع الحوثيين أنها ممر للمساعدات السعودية الضرورية لليمن.
المبادرة تتضمن فتح ميناء الحديدة مع إيداع الضرائب والإيرادات الجمركية لسفن المشتقات النفطية من ميناء الحديدة في الحساب المشترك بالبنك المركزي اليمني بالحديدة وفق اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة.
اللافت أن السفير السعودي في اليمن أقر بنفسه خلال المؤتمر الصحفي بأنه سبق تطبيق مبادرة مماثلة تحت إشراف الأمم المتحدة.
وتجمعت إيرادات ميناء الحديدة لمدة شهرين بقيمة 35 مليار يمني في هذا الحساب، ثم استولى عليها الحوثيون، واستخدموها في مجهودهم الحربي.
ويشير عرض السعوديين تكرار مبادرة فتح ميناء الحديدة، رغم استيلاء الحوثيين على أموال الميناء إلى درجة كبيرة من المرونة للسعودية مع الحوثيين، وهي مرونة قد تكون نابعة من عدة أهداف.
أولها: رغبة سعودية جدية لحل الأزمة اليمنية وإنهاء الحرب التي لا تبدو أن نتيجتها قريبة من الحسم.
ولكن المبادرة السعودية للسلام في اليمن رغم المرونة الكبيرة لا تحمل الكثير من الجديد عن مبادرات سابقة رفضها الحوثيون أو استغلوها.
ورغم أن السعوديين يعلمون من خلال تجاربهم السابقة أن الحوثيين سيرفضون ذه المبادرة أو يستغلونها لصالحهم (في أفضل الأحوال)، فإن أحد أبرز أهدافهم من هذه المبادرة تبرئة الرياض أمام العالم، بعد مجيء الرئيس الأمريكي جو بايدن، محملاً بإرث انتقادي ليبرالي غربي كبير تجاه حرب اليمن.
ولهذا كان من أوائل القرارات التي اتخذها بايدن بعد دخوله البيت الأبيض، إخراج الحوثيين من القائمة الأمريكية للجماعات الإرهابية، ومراجعة الدعم العسكري الأمريكي للجهد الحربي السعودي في اليمن.
ومن هنا فإن المبادرة السعودية للسلام في اليمن تبدو موجهة لبايدن والرأي العام الدولي أكثر منها للحوثيين.
كما أن المبادرة قد تمثل فرصة للسعودية، للخروج من اليمن، وترك عبء المعارك، للحكومة الشرعية، خاصة أنه قبيل المبادرة بساعات أفادت معلومات بانسحاب القوات السودانية المشاركة ضمن دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية من مدينة عدن بجنوب اليمن، حسبما ذكر مصدر يمني عسكري لموقع “روسيا اليوم”.
تجدر الإشارة إلى أنه في 9 إبريل/نيسان 2020، أعلن المتحدث باسم التحالف العربي تركي المالكي، وقفاً شاملاً لإطلاق النار في اليمن لمدة أسبوعين، لمواجهة تداعيات تفشي فيروس كورونا آنذاك.
ورغم تمديد وقف إطلاق النار عدة مرات، إلا أن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، اتهم جماعة الحوثي، عدة مرات، بـ”عدم الالتزام بالهدنة المعلنة”.
وبينما يمكن للسعودية استخدام المبادرة الجديدة للخروج من اليمن ونقل المجهود الحربي بالكامل لقوات الحكومة الشرعية، فلقد أثبتت التجارب السابقة أن السعوديين سبق أن أوقفوا ضرباتهم العسكرية، ولكن الحوثيين واصلوا رغم ذلك قصف الأراضي السعودية.