تتوالي التعثرات والخسائر على مرتكزات رؤية 2030 التي بشر بها محمد بن سلمان لإنقاذ اقتصاد المملكة وتنويع مصادر الدخل فيه، لكن بعد سنوات من الوعود الزائفة تتعرض استثمارات ولي العهد الحاكم الفعلي للملكة إلى خسائر مستمرة.
وأقال بن سلمان الكثير من رجاله في الاقتصاد ومساعديه في التحكم بثروات المملكة على رأسهم خالد الفالح الذي جرد من كل مناصبه ومثله الكثيرين ممن تم استبدالهم دون أن ينجح ذلك في تفادي تراجع الخطط الاستثمارية.
في مقدمة حقائق هذا التراجع داخليا أزمة شركة أرامكو النفطية التي تم طرح أسمهما رسميا للاكتتاب من دون البت في مسألة قيمتها المالية بسبب تهويل ولي العهد السابق من الرقم المطلوب.
والشركة لا تزال أمامها عقبة مهمة لم تتجاوزها بعد وتحتاج إلى توضيحها لإنجاح هذه العملية، وهي البت في مسألة قيمتها المالية، وفق ما تقول الكاتبة سفيتانا باراسكوفا في مقال نشره موقع “أويل برايس” الأميركي المتخصص في شؤون الطاقة.
إذ أن أرامكو سوف تنشر هذا الأسبوع إعلانها بشأن عملية الطرح العام الأولي لأسهمها، وبالتحديد يوم التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وسيتم هذا الطرح في السوق المالية للمملكة (تداول) في وقت غير محدد من شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وتعتبر باراسكوفا أن هذه النية المتجهة نحو طرح أرامكو للاكتتاب العام أن الركة لا تزال تواجه إلى الآن عقبات أخرى مثل أن القيمة الفعلية للشركة التي تنتج يوميا واحدا من كل ثمانية براميل في العالم لا يزال يلفها الغموض. والنقطة العالقة التي تسببت في كل هذا التأخير في السنوات الماضية تتعلق بموضوع أكثر تعقيدا من الظروف الدولية المحيطة بالعملية وانخفاض أسعار النفط، وهي بالتحديد المبالغ المالية التي من المنتظر جنيها من عملية الإدراج.
هول بن سلمان بأن قيمة أرامكو ستصل إلى تريليوني دولار، إلا أن البنوك المتابعة لهذا الملف تقدم تقديرات بعيدة عن هذه الأرقام، حيث إنها تعتبر أن قيمة الشركة تناهز 1.5 تريليون دولار أو حتى أقل من ذلك إذا كانت المملكة تنوي تحقيق النجاح في جذب المستثمرين الأجانب.
وبعض تقارير الخبراء الاقتصاديين أشارت إلى أن المملكة تنوي من خلال هذه العملية جني مبلغ يصل إلى 60 مليار دولار، في مقابل طرح 3% فقط من أسهم الشركة في السوق المالية المحلية.
وهذا الرقم قد يعني أن القيمة الإجمالية للشركة ستصل فعلا إلى تريليوني دولار، وهو الهدف الذي ظل بن سلمان يروج له منذ أن أعرب لأول مرة عن نيته إدراج بعض الأسهم من أرامكو.
وقد عمل مدراء أرامكو خلال الأسبوع الماضي على زيارة العديد من البلدان، لإقناع المستثمرين بأن قيمة الشركة تناهز فعلا تريليوني دولار، إلا أن البنوك الدولية المنخرطة في عملية طرح الأسهم تضع هذه القيمة عند 1.5 تريليون دولار أو أقل، وذلك بحسب ما ذكرته وكالة بلومبيرغ الأحد الماضي نقلا عن تقارير أرسلتها هذه البنوك إلى المستثمرين المحتملين.
كما أن تقديرات البنوك متفاوتة بشكل واضح، إذ إن بنك أميركا على سبيل المثال اعتبر أن قيمة هذه الشركة تتراوح بين 1.22 و2.27 تريليون دولار، أي أن هامش الاختلاف قد يصل إلى تريليون دولار.
لكن محللين اقتصاديين يرون أن نظرة واقعية على قيمة أرامكو تجعلها تتراوح بين 1.2 و1.5 تريليون، ويبدو أن بن سلمان سيضطر في النهاية إلى القبول بخفض توقعاته.
والآن بعد أن أصبح السعوديون مستعدين للتسوية فإن البنوك سوف تسعى لجعل قيمة الشركة تتراوح بين 1.6 و1.8 تريليون دولار، بحسب ما أوردته وكالة بلومبيرغ.
رغم ذلك ستبقي مخاوف المستثمرين الأجانب الحالية من طريقة إدارة أرامكو وتدخل الدولة لإملاء سياسة الشركة ومستوى إنتاجها فإن إنجاح عملية طرح الأسهم يبدو فعلا أكثر أهمية من جمع مليارات الدولارات الإضافية لصندوق الاستثمارات العامة السعودي من أجل تنفيذ الإصلاحات الطموحة لولي العهد.
في هذه الأثناء أعلنت شركة الاستثمار اليابانية، عن أول خسارة تشغيل فصلية لها منذ 14 عاماً، تقدَّر بنحو 6.5 مليارات دولار، بعد تدوين قيمة سلسلة من الاستثمارات، وفق وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية.
وكشفت الشركة اليابانية المالكة لمصرف “سوفت بنك” والتي يستثمر فيها ولي العهد محمد بن سلمان 45 مليار دولار، عن خسائر تقدَّر بـ6.5 مليارات دولار.
وتلقَّى المدير التنفيذي لـ”سوفت بنك”، ماسايوشي سون، بعض اللوم من شركائه على قراراته السيئة، حيث قال: “كانت هناك مشكلة في تقديري الشخصي، وهذا شيء يجب عليّ التفكير فيه”، بحسب المصدر ذاته.
وقال أتول جويال، كبير المحللين في مجموعة “جيفريز” الاقتصادية: إن “تعاملات سون تثير أموراً أساسية حول استراتيجيته التي تجب معالجتها، فإن كان هناك مزيد من الاستثمارات الفاشلة بالمستقبل، فكيف يخطط للتعامل معها؟”.
وفي عام 2017، كشف سون عن تفاصيل صفقة أقنع فيها ولي العهد، محمد بن سلمان، باستثمار 45 مليار دولار.
وفي لقاء تلفزيوني ببرنامج ديفيد روبنشتاين، على تلفزيون “بلومبيرغ” الأمريكي، سأل المذيع عن كيفية تمكُّن سون من إقناع بن سلمان باستثمار 45 مليار دولار في ساعة واحدة، فقاطعه الأخير قائلاً: “قولك ساعة واحدة أمر غير صحيح، استغرق الأمر مني فقط 45 دقيقة، فأقنعته بـ45 مليار دولار”.
ولدى سؤال المذيعُ رجلَ الأعمال الياباني حول كيفية تمكُّنه من إقناع بن سلمان باستثمار هذا المبلغ الضخم، أوضح ماسايوشي أنه قال له: “أتيت إلى طوكيو للحديث معك لأول مرَّة، سأمنحك هدية، هدية ضخمة، هدية تقدَّر بتريليون دولار، فقال بن سلمان: حسناً، الأمر فعلاً مثير. فقلت: إذا استثمرت 200 مليار دولار فسأمنحك تريليون دولار”.
وعقد اللقاء بين بن سلمان وماسايوشي، في مكتبه بالرياض، أواخر مايو 2017، عندما كان لا يزال ولياً لولي العهد، حيث جرى خلال اللقاء بحث الفرص الاستثمارية في المملكة، وتعزيز الشراكة وفق “رؤية المملكة 2030”.
وبعد اللقاء أعلن “سوفت بنك” أنه تم الاتفاق على استثمار “صندوق الاستثمارات العامة السعودي” 45 مليار دولار في “صندوق رؤية سوفت بنك” للتكنولوجيا، الذي ستبلغ قيمته نحو 100 مليار دولار، منها 28 مليار دولار من “سوفت بنك”.