بعد عملية اختطاف شهيرة عام 2003، وقعت في عهد الملك الراحل “فهد بن عبدالعزيز”، والتي كشفت تفاصيلها وسائل الإعلام قبل سنوات، ذكرت مجلة “فانيتي فاير” الأمريكية، تفاصيل درامية لعملية اختطاف ثانية تعرض لها الأمير السعودي “سلطان بن تركي الثاني”، لكن هذه المرة على يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وذكرت المجلة الأمريكية أنه بالعودة لفترة حكم الملك “فهد”، فرغم أن “سلطان” لم يكن له دور حكومي، لكنه كان يحب أن ينظر إليه على أنه شخصية مؤثرة.
وكان “سلطان”، يتحدث مع صحفيين أجانب حول آرائه في السياسية السعودية، واتخذ موقفا أكثر انفتاحا من غالبية الأمراء، لكنه على الرغم من ذلك، كان داعما على طول الخط للنظام الملكي.
وفى يناير/كانون الثاني 2003، انحرف الأمير “سلطان” عن هذا المسار، وقال للصحفيين إن على السعودية التوقف عن تقديم المساعدة للبنان، وزعم أن رئيس الوزراء يستخدم الأموال السعودية على نحو فاسد، لصرفها على نمط حياته المترف.
وتسبب هذا الانتقاد في حالة من الغليان داخل الديوان الملكي، إذ كانت لعائلة “الحريري” علاقات عميقة مع حكام السعودية ولا سيما نجل الملك “فهد”.
وبدت تصريحات “سلطان” كأنها تستهدف استعداء “فهد” شخصيا، وبعد بضعة أشهر، أرسل “سلطان” فاكسا إلى وكالة “أسوشيتدبرس” الأمريكية، أورد فيه أنه بدأ بتكوين لجنة لاستئصال شأفة الفساد المستشري بين الأمراء السعوديين وغيرهم ممن نهبوا ثروات المملكة، على مدى السنوات الـ25 الماضية.
بعد حوالي شهر، أرسل الأمير “عبدالعزيز بن فهد” دعوة إلى “سلطان”، إلى قصر الملك في جنيف، وذلك لتسوية خلافاتهما، وحاول نجل الملك إقناع “سلطان” بالعودة إلي السعودية، وعندما رفض الأخير انقض حراس “عبد العزيز” عليه، وحقنوه بمخدر، وجروه باتجاه طائرة متجهة إلى الرياض.
ووفقا لمجلة “فانيتي فاير” فقد كان وزن “سلطان” حوالي 181 كجم، وتسبب حقنه بالمخدر وجره من أطرافه وهو فاقد للوعي بالحاق الضرر بالأعصاب المتصلة بالساقين، وأمضى السنوات الـ11 التالية داخل وخارج السجون السعودية، وأحيانا في مستشفى حكومي مغلق في الرياض.
وفي عام 2014، أصيب “سلطان” بإنفلونزا الخنازير، ومضاعفات هددت بقائه على قيد الحياة، وأصبح الآن شبه مشلول، ولا يمثل تهديدا للعائلة، ووافقت الحكومة على طلب تقدم به للحصول على رعاية طبية في ماساتشوستس، وكان ذلك بمثابة حصوله على الحرية.
في غضون فترة احتجازه بعد اختطافه، اجتاح تغيير هائل عائلة “آل سعود”، حيث توفي الملك “فهد” عام 2005، وجاء خليفته “عبدالله”، والد زوجة “سلطان” الراحلة، الذي كان أقل تسامحا تجاه التباهي والإسراف في الثروات الأميرية، وقلص مخصصات الأمراء ووجه اللوم إلى المسرفين منهم ومن لا يحسنون التصرف في أموالهم.
ولكن يبدو أن “سلطان” لم يستوعب هذا التحول سواء في فترة الملك “عبدالله”، أو التحول الأكبر في أوائل عام 2015، بعد تعافيه من مشاكله الصحية الحادة، عندما تولى الملك “سلمان”.
وبدل العيش بحياة منخفضة التكاليف، قام بإجراء عملية شفط دهون وجراحة تجميلية وبدأ في إعادة حاشيته لاستعادة حياته السابقة التي كانت مليئة بالرفاهية، وبالفعل أصبح يتنقل من بلد أوروبية إلى أخرى، برفقة حراس مسلحين، وستة ممرضات يعملن بدوام كامل، وأصبح ينفق ملايين الدولارات شهريا.
وفي منتصف عام 2015، حجز فندقا فاخرا في أجمل شواطئ سردينيا في إيطاليا، وطوال تلك الفترة واصل الديوان الملكي إيداع الأموال في حساب “سلطان” المصرفي، لكن الأمير أدرك أن المدفوعات ستتوقف في النهاية، ولم يكن لديه دخل أخر، لذا وضع خطة.
ووفق المجلة الأمريكية، فقد قرر “سلطان” أن الحكومة السعودية مدينة له بتعويض عما تعرض من إصابات عندما جرى اختطافه عام 2003.
وقام “سلطان”، بمناشدة “محمد بن سلمان”، الذي لم يكن يعرفه جيدا، لأنه جرى حبس “سلطان” عندما كان الأمير الشاب في أواخر سن المراهقة، لكنه سمع من أفراد العائلة أن “بن سلمان” أصبح أقوى شخص في الديوان الملكي، لذا طالب الأمير الشاب بتعويضه.
لكن “بن سلمان”، لم يكن على استعداد لدفع المال لشخص تسبب في مشاكل للعائلة، ورفض الطلب، لذا فكر “سلطان” في تلقين الجميع درسا لن ينسوه.
وقام في صيف 2015 بعمل شيء غير مسبوق على الإطلاق في تاريخ العائلة، إذ رفع قضية في محكمة سويسرية، ضد أفراد العائلة الحاكمة في السعودية بتهمة الاختطاف.
وتلقى “سلطان” تحذيرات من أصدقائه، بأنه قد يتعرض للاختطاف مرة أخرى، لكن الأمير السعودي أصر ورفع الدعوى وبدأ المدعي الجنائي السويسري التحقيق، والتقطت الصحف القصة، وفجأة توقفت مدفوعات “سلطان” التي يمنحها له الديوان الملكي.
لم تدرك الحاشية المرافقة لـ”سلطان” المشكلة طيلة أسابيع، إلى أن طلب الأمير خدمة الغرفة في فندق سردينيا، لكن طلبه قوبل بالرفض من المطعم.
وبعدها تبين أن “سلطان” مفلس، وكان الفندق سيطرده، لكنه لم يكن قادرا على شطب مليون دولار أو أكثر من الفواتير غير المسددة للأمير السعودي.
في مقابل هذا الموقف، أخبر “سلطان” موظفيه بأنه يمكنه يجعل الديوان الملكي يعيد إرسال نفقاته، وقام بمغامرة وهذه المرة حاول التغلب على “بن سلمان”.
وذكرت المجلة أنه وفقا لتقاليد العائلة المالكة، يمكن لإخوة الملك إبداء رأيهم في خط الخلافة، إذا ثبت أن الملك “غير كفء، وعندها يمكن لإخوته إزاحته من العرش”.
لذلك أرسل “سلطان”، رسالتين مجهولتين إلى أعمامه، كتب فيها أن شقيقهم الملك “سلمان” غير كفء وعاجز ودمية في يد نجله الأمير “محمد”، وأنه لم يعد سرا أن أخطر مشكلة في صحة “سلمان”، هي الجانب العقلي، وهو ما جعله خاضعا للأمير “محمد”، حسب رسالة “سلطان”.
وكتب “سلطان” أيضا، أن “بن سلمان” فاسد وقام بتحويل أكثر من ملياري دولار من الأموال الحكومية إلى حساب خاص.
وأكد “سلطان” أن الحل الوحيد هو أن يقوم إخوة الملك “سلمان” بعزله، بعد عقد اجتماع طارئ لكبار أفراد العائلة لمناقشة الوضع، واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإنقاذ البلاد.
ووصلت رسائل “سلطان” المسربة إلى صحيفة “الجارديان”، وعلى الرغم من عدم توقيعه على الرسائل، تمكن مسؤولو الديوان الملكي من كشف هوية كاتبها بسرعة.
وكان الأمير “سلطان” ينتظر تداعيات رسائله والمغامرة التي نفذها، وظل يفكر، ربما سيحاول أعمامه كبح جماح “بن سلمان”، أو ربما يعرض الأخير المال لكفه عن إثارة المشاكل.
وخلص “سلطان”، أنه يمكنه أن يكون في وضع مثل وضع والده، يعيش في عزلة ممولة جيدا من أبناء عمومته الأقوياء.
وعلى نحو مثير للدهشة، نجحت خطته، وبعد فترة من نشر الخطابات، ظهر أكثر من مليوني دولار في حساب “سلطان” المصرفي، مرسلة من الديوان الملكي.
وعلى أثر ذلك، دفع “سلطان” للفندق، وجدد خططه للسفر، والأفضل من ذلك أنه تلقى دعوه من والده للسفر إلى القاهرة.
وأخبره والده أنه على سبيل المكافأة، كان الديوان الملكي يرسل طائرة فاخرة لنقل “سلطان” والوفد المرافق له للقاهرة، ويبدو أن “بن سلمان” كان يعيد ابن عمه الشارد إلى الحظيرة.
الاختطاف الثاني
ورغم تشكيك موظفي “سلطان”، ورفضهم للذهاب للقاهرة، بدا الأمير حريصا على تصديق أن المصالحة مع العائلة الحاكمة تجري على قدم وساق، وربما كان “بن سلمان” قائدا من نوع جديد لا يقوم بحل نزاع عائلي عبر اللجوء للاختطاف كما فعل معه “عبدالعزيز بن فهد”.
وفي غضون ذلك، أرسل الديوان الملكي طائرة رقم (800-737) مجهزة بشكل خاص للأمير، وتتسع لـ189 راكبا ، وأمر “سلطان” موظفيه بمقابلة الطاقم لتحري الموقف.
وبدأ أفراد الطاقم الطائرة أشبه بمسؤولي أمن أكثر منهم مضيفي طيران، وحذر أحد موظفي “سلطان”، قائلا: “هذه الطائرة لن تذهب إلى القاهرة”، وعقب: “لماذا تثق بهم؟”.
لكن “سلطان” لم يجب الموظف وظل مترددا، حتى عرض عليه الكابتن ويدعى “سعود” تخفيف مخاوفه من خلال ترك 10 أفراد من الطاقم في باريس، كبادرة حسن نية لإظهار أن هذه الرحلة لن تكون محاولة اختطاف.
وكان ذلك كافيا بالنسبة لـ”سلطان”، وأمر مرافقيه بالبدء في حزم أمتعتهم.
غادرت الطائرة باريس بهدوء، وظلت في مسار رحلتها إلى القاهرة لمدة ساعتين، وكان ذلك واضحا على الشاشات ثم حدث شيء غريب أصحبت الشاشة تومض وتطفئ.
وعندها أبدى مرافقو “سلطان” انزعاجهم، وسأل أحدهم الكابتن “سعود” عما يجري، ذهب كابتن الطائرة للتحقق وعاد ليوضح أن هناك مشكلة فنية، والمهندس الوحيد الذي يمكنه إصلاحها كان من بين الأفراد الذين تركوا في باريس.
كما أخبرهم كابتن الطائرة أنه لا داعي للقلق، وأنهم سيصلون في الموعد المحدد.
بمرور الوقت، بدأت الطائرة بالهبوط، وأدرك كل من كان على متنها أنها لن تهبط في القاهرة، إذ لم يكن هناك نهر يتسلل عبر المدينة ولا أهرامات الجيزة، وكان ذلك بلا شك التمدد العمراني لمدينة الرياض.
وبعد قليل، ظهر برج المملكة، وهنا اندلع الهرج والمرج في الطائرة، وطالب مرافقو “سلطان” من غير السعوديين معرفة مصيرهم، إذا هبطوا في السعودية بدون تأشيرات، وضد إرادتهم، وهنا صاح “سلطان” الذي بدا ضعيفا: “أعطني بندقيتي”.
رفض أحد حراسه طلبه، كان رجال الكابتن “سعود” يحملون بنادق، وبدا تبادل إطلاق النار على متن الطائرة أسوأ مما كان قد يحدث على الأرض، فجلس “سلطان” في صمت حتى هبطوا، فلم تكن هناك طريقة للقتال.
وقام رجال الكابتن “سعود” بدفع الأمير إلى أسفل الممر، وكانت المرة الأخيرة التي شاهده فيها أي فرد من مرافقيه.
وبعدها، قام حراس الأمن باقتياد الطاقم والعلاقات العامة إلى منطقة احتجاز بالمطار، ثم إلى فندق، وهناك مكثوا لمدة 3 أيام غير قادرين على المغادرة، بدون تأشيرات.
وفي اليوم الرابع والأخير، أحضر الحراس الحاشية إلى مكتب حكومي، وتم استدعاء الأجانب واحدا تلو الآخر إلى غرفة اجتماعات مترامية الأطراف تتوسطها طاولة ضخمة حيث وجدوا في استقبالهم الكابتن “سعود” نفسه، لكنه الآن كان يرتدي ثوبا طويلا يصل لكاحله، بدلا من زي الطيارة.
وقال: “أنا سعود القحطاني أنا أعمل في الديوان الملكي”.
ومع اختطاف “سلطان”، كان “سعود” لاعبا رئيسيا في الجهاز الأمني للديوان الملكي، إذ كان شخصا يمكن لـ”بن سلمان” الاعتماد عليه في إنجاز مهام حساسة وأيضا عدوانية.
وهو جالس على طاولة غرفة الاجتماعات، طلب “سعود” من الأجانب التوقيع على اتفاق بعدم إفشاء ما شاهدوه، وعرض المال على البعض، وإعادتهم لوطنهم.
أسكتت العملية ناقدا مزعجا هو الأمير “سلطان”، وقدمت درسا لأي منشق محتمل في العائلة المالكة.
وبعد ما يقرب من 5 سنوات سيصبح السياق الكامل لاختطاف الأمير “سلطان” حاضرا في قضية أخرى ضد أفراد العائلة.
فقد قام “سعد الجبري”، وهو مسؤول المخابرات السابق ويعيش في المنفي بكندا، برفع دعوى ضد “بن سلمان” بمحكمة اتحادية في أغسطس/آب، زاعما أن الأمير حاول قتله على يد فريق اغتيال دولي يسمي “فرقة النمر”.
وزعم “الجبري”، أن جذور “فرقة النمر”، تعود إلى عام 2015، ووفقا للدعوى، فإن “بن سلمان”، طلب من “الجبري” نشر وحدة سعودية لمكافحة الإرهاب في عملية انتقامية خارج نطاق القانون، ضد أمير سعودي يعيش في أوروبا انتقد الملك “سلمان”.
كما زعم “الجبري” في دعواه، أنه رفض تنفيذ أوامر “بن سلمان”، لأن العملية كانت غير أخلاقية وخارج نطاق القانون وتسيء للسعوديين، تقول الدعوى إن الأمير أنشأ فرقة النمر وتولي مسؤوليتها “سعود القحطاني”.
وبعد ذلك بعامين، كانت “فرقة النمر”، هي التي قتلت الصحفي المعارض “جمال خاشقجي” في السفارة السعودية في إسطنبول.
ووفق مسؤولين أمريكيين فإن مقتل “خاشقجي”، هدد المكانة الدولية لـ”بن سلمان” الدولية، لكنها أرسلت رسالة للسعوديين بما ينتظرهم حاله انتقادهم إياه.