تظهر الدلائل أن نظام آل سعود فشل بشكل ذريع في الضغط لتنفيذ اتفاق الرياض حول اليمن ما يبرهن على فقدانه السيطرة على التحكم.
واتهم مختار الرحبي مستشار وزير الإعلام اليمني المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا بتدبير مسرحية للمناورة والتنصل من تطبيق اتفاق الرياض، مدللا على ذلك برفضه تسليم السلاح للجان المكلفة، وسحب المليشيات من عدن.
وأكد الرحبي أن لجان المراقبة لنظام آل سعود المكلفة بمراقبة نزع السلاح، لم تجد غير خردة وعتاد حربي قديم، بينما الأسلحة الثقيلة التي استلمتها مليشيات المجلس الانتقالي من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد تم تهريبها خارج عدن وأرسلت إلى عدة محافظات وإلى الجبال، لأن معركتهم مؤجّلة حسب وصفه.
وعن دور المملكة في حلحلة الأزمة الراهنة، أوضح مختار الرحبي أن نظام آل سعود لا يريد إحراج أبو ظبي، ويتجنب انتقاد المجلس الانتقالي لأنه -حسب رأيه- مجرّد أدوات بيد محمد بن زايد الذي أنفق المليارات من أجل السيطرة على عدن وتنفيذ أجندته في اليمن والسيطرة على أهم الممرات البحرية.
وأكد الرحبي أن الحكومة الشرعية دائمة التعويل على الدور السعودي، وأنه في حال انهيار اتفاق الرياض فإنها قادرة على حسم الأمور عسكريا وتحرير عدن، خاصة إذا لم يتدخل الطيران الإماراتي لإنقاذ مجلسه الانتقالي.
ويجمع مراقبون على أن المصير الذي يلقاه اتفاق الرياض بشأن الحل السياسي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن هو مجرح بر على الورق في دليل فشل جديد لنظام آل سعود.
وحول ذلك المشهد الاحتفالي الذي حضره ولي العهد وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد مع الأطراف اليمنية إلى مجرد مناسبة لأخذ صور تذكارية في ظل الفشل الذريع في تنفيذ الاتفاق.
وكان يُفترض ألا يمر اليوم الخامس من عام 2020 إلا وقد اكتمل تنفيذ اتفاق الرياض بجميع بنوده الموقع عليها، وفي مقدمتها تشكيل حكومة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، وتعيين محافظين جدد للمدن الجنوبية، وإعادة تشكيل قوات الجيش والأمن، غير أن ذلك لم يتحقق بالكلية.
وروج نظام آل سعود على أن الاتفاق قادر على أن يؤسس لتسوية سياسية شاملة باليمن، لكن الاتفاق فشل كسابقيه فيما يخص اليمن ما يؤكد المأزق السعودي الجديد لحل الأزمة اليمينة.
ويتم ذلك مقابل استمرار سيطرة الإمارات على المشهد جنوباً عبر تشكيلاتها المسلحة المختلفة، والتي تمسك بزمام الحكم في معظم المدن الجنوبية.
وكان اتفاق الرياض، الذي وقع في الـ5 من شهر نوفمبر 2019، قد نص على أن تكون آخر خطوات التنفيذ في 5 يناير 2020، بالشق العسكري والأمني؛ من خلال توحيد القوات العسكرية الواردة في الفقرة “3” من الاتفاق، وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع، وإصدار القرارات اللازمة، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
وتزامناً مع ذلك تتم إعادة تنظيم القوات العسكرية في محافظتي أبين ولحج تحت قيادة وزارة الدفاع بالإجراءات ذاتها التي طُبقت بمحافظة عدن، خلال 60 يوماً من توقيع الاتفاق.
كما نص الاتفاق على إعادة تنظيم القوات العسكرية في بقية المحافظات الجنوبية تحت قيادة وزارة الدفاع، بالإجراءات نفسها التي طُبقت في عدن، خلال 90 يوماً من توقيع الاتفاق.
ولم تنفذ خطوات كان يفترض تنفيذها خلال الفترة الماضية؛ منها البنود المتعلقة بعودة القوات العسكرية والأمنية إلى مواقعها وإعادة دمجها، خلال 15 يوماً من التوقيع، وتشكيل حكومة كفاءات سياسية تتوزع حقائبها مناصفة بين محافظات الشمال والجنوب، خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً، وتعيين محافظين جدد ومن ضمنهم محافظ العاصمة المؤقتة للبلاد.
ولم يتحقق من الاتفاق سوى بند واحد؛ تمثل بعودة الحكومة اليمنية التي يرأسها معين عبد الملك إلى عدن، لكن ذلك لم يحدث أيضاً إلا بعد مرور أسبوعين من الاتفاق، على الرغم من أن الموعد كان بعد مرور 5 أيام فقط، كما منع كثير من الوزراء من العودة إلى عدن؛ لعدم رغبة مليشيا “الانتقالي” بوجودهم.
ويبدو أن المملكة وجدت نفسها في مأزق حقيقي؛ فعملت من أجل حفظ ماء وجهها، بدفع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، أواخر شهر ديسمبر الماضي، إلى تشكيل لجنة خاصة تتكون من ثلاثة من مستشاريه بمتابعة تنفيذ الاتفاق.
وعلى الرغم من وصول قوات سعودية إلى مدينة عدن للإشراف على تنفيذ الملحقين العسكري والأمني، أقر قائد القوات السعودية مجاهد العتيبي، بأن هناك صعوبات كبيرة في تنفيذ الاتفاق على الأرض، وما لبث أن استدرك بأن ذلك “ليس مستحيلاً”، مشيراً إلى أن بلاده قادرة “وبكل حزم” على تذليل الصعوبات والعمل على تنفيذ جميع البنود.
وكان المجلس الانتقالي الجنوبي أعلن تعليق عمل ممثليه في لجان اتفاق الرياض، وقال القيادي الإعلامي أحمد الصالح، إن ذلك يأتي بسبب قيام قوات الأمن الحكومية في محافظة شبوة بـ”ارتكاب أخطاء كبيرة” وصفها بـ”الجرائم”، في إشارة إلى الحملة الأمنية التي أطلقها محافظ شبوة لملاحقة مطلوبين أمنياً تؤويهم معسكرات تابعة لدولة الامارات.
ويقول مراقبون إن اتفاق الرياض استهدف منح المجلس الانتقالي الممول من أبوظبي صفة شرعية إقليمية، وشرعية في الحقل السياسي اليمني، واعترافاً به في الحقل السياسي والتفاوضي، وكذلك على مستوى تمثيل هوية جنوبية.
ويشبه ذلك إلى حد كبير المبادرة الخليجية (2011)، التي جددت شرعية الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقبل اليمنيون ذلك حتى يتم التخفيف من الكلفة المجتمعية والوطنية، ولذلك قبلت السلطة الشرعية اتفاقية الرياض لهذا الغرض.
واتفاق الرياض الذي فرضه نظام آل سعود بما يناسب الإمارات وميليشياتها في اليمن يمثل بالنسبة إلى السلطة والحكومة الشرعية عملية اغتيال ذاتية لها؛ لكونه اغتالها وأضعف دور الضعيف أصلاً، وهو ما يوضح دور الحكومة الموجودة حالياً بعدن، التي لا تستطيع التحرك إلا في إطار القصر فقط.
ويرى اليمنيون أن سياسات آل سعود في بلادهم تقتصر فقط على تعزيز سيطرته وحليفته الإمارات على المناطق المحررة دون الالتفات إلى الهدف الأساسي الذي من أجله تم الاستنجاد بالمملكة للتدخل العسكري في اليمن، في مارس 2015، لإنهاء انقلاب الحوثيين في صنعاء.