دعا الناشط الحقوقي السعودي البارز علي اليامي إلى تشكيل اتحاد ديمقراطي للمعارضة السعودية لوقف القمع في المملكة والضغط من أجل تغيير نظام حكم آل سعود المستبد.
جاء ذلك في مقال نشره اليامي وهو المدير التنفيذي لمركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية (CDHR) ومقره واشنطن، حمل عنوان (دروس من عقود من الزمن في الدفاع عن حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية).
وجاء في المقال: لقد تعرضتُ لأول مرة للظلم الاجتماعي وعدم المساواة والافتقار التام لحرية التعبير في السعودية في سن مبكرة.
حصلتُ على وظيفة في شركة أرامكو، ومثل العديد من الشباب السعودي، عملتُ في بقيق، شرق المملكة العربية السعودية، كـ “موظف مكتبي” يقوم بتسليم أوراق العمل من مكاتب الأمريكيين وغيرهم من الموظفين الوافدين في شركة النفط العملاقة في المملكة. شعرتُ وكأنني أجنبي في أرضي.
ومثل الآلاف من عمال النفط السعوديين الآخرين من جميع الأعمار والأعراق والخلفيات الدينية، عانيتُ من إحساس عميق بالحرمان والعزلة والتهميش. كنا نتقاضى رواتب ضئيلة للغاية—ثلاثة ريالات سعودية فقط، أو 75 سنتًا في اليوم—ويتم إسكاننا في “معسكر عام” منفصل للعمال السعوديين.
لحسن الحظ، كان مشرفي السعودي الأول في أرامكو ناصر السعيد، وهو ناشط معروف ومتفاني، كان، قبل وقت طويل من انضمامي إلى شركة النفط الضخمة، ينظّم العمال السعوديين للمطالبة بظروف معيشية ورواتب أفضل، مقارنة بالامتيازات التي كان يستمتع بها موظفو أرامكو الغربيون.
كان السعيد وطنيًا يتمتع بشخصية كاريزمية، حيث كانت قبيلته شمر تحكم منطقة نجد الشاسعة، وهي منطقة صحراوية في الغالب في وسط الجزيرة العربية، حتى تم إخضاعهم من قبل مرتزقة ابن سعود المتعصبين الحُفاة في عام 1901.
عند وصولي إلى شرق السعودية، كان يتم وصفه من قبل السلطات السعودية بأنه محرّض وشيوعي—وأنه شخص يجب تجنبه وإدانته من قبل المواطنين المخلصين للنظام الملكي. إلا أن ذلك لم ينجح في تشويه سمعته.
كان السعيد وعدد قليل من رفاقه من أماكن مختلفة من المملكة الصحراوية الشاسعة قادرين بحكمة على تنظيم إضراب محلي ضخم ضد شركة أرامكو وسياسات الحكومة التمييزية ضد العمال السعوديين.
بالنسبة لي، كانت عملية الحشد للتظاهر ضد شركة أرامكو في ذلك الوقت مفهومًا غريبًا في بلد يمكن لرجال الأجهزة الأمنية المنتشرين في كل مكان أن يضربوا أي شخص لمجرد التحديق بهم، ناهيك عن الإخلال بالنظام العام، والذي كان خضوعًا تامًا للملك والشرطة ورجال الدين.
كانت هذه الإضرابات العمالية الجماهيرية قد بدأت على نطاق أصغر في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي لكنها تطورت واكتسبت زخمًا في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات.
ولجعل الملك سعود يتخذ قرارًا لكبح جماح العمال الجريئين، أقنع موظفو النفط الذين يديرون شركة أرامكو الملك المستهتر اعتبار الإضرابات انتفاضة ضد النظام الملكي.
وقد نجحوا في سحق الإضرابات، ولكن ليس قبل أن يحصل العمال على أجور أعلى ورعاية صحية مناسبة وظروف معيشية أفضل، إلا أن ذلك تم مقابل ثمن مرتفع للغاية. تعرض العديد من العمال والنشطاء للسجن والتعذيب.
وتم اعتقال المنظم الثوري للحركة السعيد. وبمجرد إطلاق سراحه، فر من المملكة لمواصلة نشاطه في المنفى، بدءًا من مصر. ثم ذهب بعد ذلك إلى سوريا ثم لبنان، حيث تم اختطافه عام 1979 على أيدي عملاء سعوديين ولبنانيين حسب بعض التقارير. لم يُرى أو يُسمع عنه شيء بعد ذلك.
كانت انتفاضة أرامكو الأولى من نوعها في السعودية، لكنها لم تكن الأخيرة. جمع هذا النشاط المدني غير المسبوق بين السعوديين المتشابهين في التفكير وفتح أعينهم على سوء معاملة عائلة آل سعود الحاكمة للسكان وسوء التعامل مع ثروتهم الطبيعية: النفط.
كما كشفت الإضرابات العمالية عن سياسات النظام في تقسيم المجتمع على أسس دينية وجنسية وإقليمية وعرقية.
كانت فترة عملي في أرامكو تجربة تحويلية. لقد وجدتُ نفسي في حياة لم أحلم بها من قبل. لم أفكر أبدًا في قدرة المواطنين على العمل معًا لتحدي نظام نشأتُ على الخوف منه وعبادته.
أدركتُ أنني لم أفهم حقًا احتجاج العمال والأسباب التي أدت إليه وشجاعة منظميه إلا بعد سنوات. لقد أثّرت تلك الأحداث على حياتي وتصوراتي عن نفسي وبلدي والأشخاص من حولي بثلاث طرق رئيسية. عشتُ في خوف من النظام وأجهزته الأمنية المنتشرة في كل مكان.
لقد فهمتُ وحشية النظام، والأهم من ذلك، كان لدي رغبة جديدة في الحصول على منحة دراسية للخروج من السعودية وتحرير نفسي من هذه القيود.
يمكنني أن أكون حرًا في “أن أفعل ما أريد،” كما قال لي المشرف الأمريكي في شركة أرامكو، المولود في ولاية ويسكونسن—وهو وصف للحرية لم يكن يبدو ممكنًا في مملكة الصحراء. سألته كيف يمكنني القيام بذلك.
قال إنه نظرًا لأنه لا يوجد علي علامة “خطر” في ملفات شركة أرامكو، فيمكنه تقديم اسمي إلى مجلس لجنة الباحثين للذهاب إلى أمريكا في منحة دراسية من شركة أرامكو.
لقد فعل ذلك، وحصلتُ في نهاية المطاف على منحة دراسية للدراسة في الولايات المتحدة، رغم أنها تأخرت ثلاث مرات.
تمت الموافقة عليها أخيرًا عندما أكدت الشركة للسلطات السعودية أنه لا تظهر على أي علامات على “سلوك غير ممتثل” أو عدم ولاء لولي الأمر، الملك.
كان الشباب السعودي الذين يتحدثون مع الأمريكيين في أرامكو مستعدين لعمل أي شيء من أجل الذهاب إلى الولايات المتحدة.
كان الحصول على منحة لدراسة الهندسة في أمريكا بمثابة حلم تحقق. بعد الوصول إلى الأراضي الأمريكية، في نيويورك، أدركتُ أن ما قاله مشرفي من ولاية ويسكونسن لم يكن مبالغة.
ومع ذلك، كان الانتقال إلى الحياة الطلابية في الولايات المتحدة مخيفًا—لغويًا وثقافيًا، ولكن الأهم من ذلك، سياسيًا واجتماعيًا.
رغم ذلك، انضممتُ إلى منظمات مدنية واتحادات طلابية وأي جماعة تعنى بحقوق الإنسان وحرية التعبير.
معظم الأشخاص الذين تعاونت معهم يعرفون القليل جدًا عن السعودية أو لم يكن لديهم أي اهتمام بتلك البلد، باستثناء طالب هندي جنوب إفريقي مسلم.
كانت معظم المجموعات الطلابية التي ارتبطتُ بها وعملتُ معها مهتمة بقضايا أخرى في أجزاء أخرى من العالم، من أمريكا اللاتينية إلى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا إلى فيتنام، والتي كان الطلاب الأمريكيون مشغولين بها لأسباب مفهومة في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات.
بما أنني دعمتُ قضايا كل هؤلاء النشطاء السياسيين، كان هدفي الرئيسي هو حقوق الإنسان وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية في وطني في السعودية.
ولكن عندما أصبحتُ أكثر جرأة وانشغالًا بنشاطي وأقل تركيزًا على العمل الأكاديمي، تراجعت درجاتي الدراسية.
وأصبحت شركة أرامكو غاضبة، بسبب سياسة الدرجات في الشركة. بدأتُ في تلقي مكالمات هاتفية تهدد بإنهاء المنحة الدراسية وإعادتي إلى السعودية. حتى أن بعض أساتذتي في الهندسة أصبحوا معاديين لي ويفرضون علي عقوبات.
اكتشفتُ لاحقًا أن العديد من أقارب هؤلاء الأساتذة كانوا يعملون في مكاتب شركة أرامكو في نيويورك وتكساس.
تلقيتُ إنذارًا نهائيًا بأن علي التوقف عن أنشطتي غير الأكاديمية وإلا سأفقد المنحة الدراسية. كان القرار سهلًا بالنسبة لي، رغم تبعاته من الناحية المالية والعاطفية.
لقد شعرتُ بمشاعر مختلطة عندما قطعت شركة أرامكو المنحة الدراسية، ولكن كان هناك شعور مهدئ بالحرية.
بعد أن انتهيتُ من درجة الدكتوراه بمفردي في جامعة كليرمونت للدراسات العليا في كاليفورنيا، عملتُ مع مجموعة كويكر للسلام، وهي لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكية، في سان فرانسيسكو.
تم تكليفي بتقديم مواقف المنظمة حول السلام في الشرق الأوسط للجمهور وللساسة ووسائل الإعلام المحلية والوطنية. كانت هذه هي المرة الأولى التي بدأتُ فيها حقًا في فهم مواقف المسؤولين الأمريكيين تجاه الشرق الأوسط، للأفضل والأسوأ.
كما تعلمتُ الشيء نفسه إلى حد ما عن منظمات حقوق الإنسان الكبيرة والصغيرة، وحول مجموعات المصالح وجماعات الضغط الراسخة والممولة جيدًا والتي شكلت السياسات الأمريكية في المنطقة، وخاصة تلك التي تمثل السعودية وملكيات الخليج الأخرى التي تعتبرها واشنطن من الحلفاء.
لقد تعلمتُ الكثير عن تأثير مجموعات المصالح المختلفة هذه، ولا سيما جماعات الضغط وصانعي السياسات، بعد تأسيس مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية في عام 2003.
على سبيل المثال، في عام 2007، قمتُ مع ثلاثة متدربين ورئيس مجلس الأمناء لدينا بعقد لقاء مع مكتب شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية.
لن أنسى أبدًا الكلمات الأولى التي قالتها إحدى مسؤولات وزارة الخارجية الأمريكية بعد أن رحّبت بنا: “إذن ، أنت من تريد قلب نظام الحكومة السعودية؟”
اعتقدتُ أنها كانت تمزح فقط، لكنها لم تكن كذلك. تساءل رئيس مجلس الأمناء لدينا، الذي كان مسؤولًا سابقًا في البيت الأبيض ووزارة العدل، عن كيفية استنتاجها أن هدف مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية هو الإطاحة بنظام الحكم المطلق السعودي. ألمحت إلى أن مصادر موثوقة أخبرتها أن هذه هي مهمتنا.
سأل رئيس مجلس الأمناء عما إذا كانت قد نظرت بالفعل إلى موقعنا الإلكتروني لمعرفة ما ندعو له. وبعد عام من مغادرة تلك المسؤولة لوزارة الخارجية، انضمت إلى شركة جماعة ضغط بارزة تمثل المصالح السعودية في واشنطن.
على مر السنين، اكتشفتُ أن جماعات الضغط الماكرة التي تتلقى مبالغ طائلة وتعمل لصالح الرياض تضلل الكثير من المسؤولين الأمريكيين حول مهمة مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، أثار الأساتذة المؤيدون للسعودية والشركات ومجموعات المصالح وشركات المحاماة شكوكًا وطرحوا تساؤلات حول أعمال وأنشطة التثقيف العام التي يقوم بها المركز ونشطاؤه.
واتهم معظم هؤلاء النقاد زورًا المركز بالدعوة إلى إزاحة النظام الملكي السعودي واستبداله بنظام موالي لإيران ومعادٍ للولايات المتحدة.
حتى بعد أهوال أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وفي الآونة الأخيرة، القتل الوحشي لجمال خاشقجي، لا يزال العقد الأمريكي السعودي الذي تم في عام 1945—دعم وحماية أمريكية غير مشروطة للدولة السعودية وملوكها المتعاقبين مقابل الحصول على النفط بسعر رخيص—يؤتي ثماره المربحة إلى يومنا هذا.
وسيستمر ذلك طالما أن الحكومة السعودية تستطيع شراء نفوذ إيجابي في واشنطن، بغض النظر عمن يكون في السلطة في البيت الأبيض.
يجب على النشطاء السعوديين في الغرب أن يروا الواقع على حقيقته. ستستمر الآمال في تعزيز الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان في السعودية في التقلص طالما أن الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى بحاجة إلى النفط السعودي والنظام الذي يأتي معه.
إنّ مطالبة الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية الأخرى بوقف مبيعات الأسلحة إلى الرياض والمساعدة في إطلاق سراح سجناء الرأي أمر مهم بالطبع، لكن هذه المطالبات لا تعالج الأسباب الجذرية للتضييق في السعودية.
يجب علينا دمج مجموعاتنا المتناثرة في الشتات السعودي وتشكيل اتحاد ديمقراطي شامل غير طائفي، سعيًا وراء تغييرات دستورية في السعودية. ما لم يتم تغيير النظام سياسيًا، فإن الأوليغارشية السعودية ستستمر في الحكم من خلال العقاب والاستغلال.