حقائق تكذب دعاية السلطات السعودية بشأن إلغاء نظام الكفالة

على الرغم من التداول الواسع عبر وسائل الإعلام العربية والأجنبية ومواقع التواصل الاجتماعي حول إلغاء السعودية لنظام الكفالة، فإن المصادر الرسمية لم تصدر أي إعلان بشأن إلغاء النظام بالكامل. وما نشرته بعض الصحف السعودية يقتصر على تحديثات محدودة للنظام، دون التطرق إلى إنهائه.

وأبرز هذه التحديثات التي تناولتها الصحف تتضمن منح العمال حرية التنقل بين جهات العمل بعد انتهاء عقودهم دون الحاجة إلى موافقة مسبقة من الكفيل، وإلغاء شرط تصريح السفر الإلزامي، وتنظيم عملية إنهاء الإقامة وفق ترتيبات قانونية محددة.

ورغم ما تبدو عليه هذه الإصلاحات من أهمية، إلا أنها ليست جديدة بالفعل، إذ سبق وأن أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في نوفمبر 2020 عن مبادرة “تحسين العلاقة التعاقدية” التي تضمنت نفس التعديلات، وتم تطبيقها منذ مارس 2021.

في المقابل، لم يتم إلغاء نظام الكفالة بشكل كامل، ولا تزال آثاره على العمال واضحة. النظام التقليدي كان يجعل الكفيل مسؤولاً عن إقامة وتأشيرات العامل، ويقيد حرية العامل في الانتقال إلى عمل آخر أو السفر خارج البلاد إلا بموافقة الكفيل.

ويصف النقاد هذا النظام بأنه يشبه “العبودية الحديثة”، إذ يمنح أصحاب العمل سلطة واسعة على حياة العمال، ويجعلهم عرضة للاستغلال.

الجانب القانوني والاقتصادي لنظام الكفالة

نظام الكفالة، الذي دام لعقود في السعودية، وضع العامل في تبعية شبه كاملة للكفيل، سواء من الناحية القانونية أو العملية.

إذ يحتاج العامل دائمًا إلى موافقة الكفيل لأي خطوة تتعلق بعمله أو إقامته، بما في ذلك تغييرات مكان العمل أو مغادرة المملكة. كما أن أي خلاف مع الكفيل قد يؤدي إلى تجميد إقامة العامل، وحرمانه من حقوقه الأساسية، ما يجعل النظام أداة ضغط يمكن استغلالها.

اقتصاديًا، يعزز النظام سيطرة فئة محدودة من أرباب العمل على سوق العمل الأجنبي، ويحد من قدرة العمال على التفاوض بشأن رواتبهم وشروط العمل.

كما يخلق بيئة غير مستقرة للعاملين، ويؤثر على الإنتاجية، إذ يعيش العامل في خوف دائم من فقدان وضعه القانوني أو ترحيله بسبب نزاع بسيط مع الكفيل.

الانتقادات الدولية لنظام الكفالة

واجه نظام الكفالة انتقادات واسعة من منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، التي وصفته بأنه يجعل العمال عرضة للاستغلال والانتهاكات الجسيمة.

وأشارت هذه المنظمات إلى أن النظام يسمح باستغلال العمال من خلال ساعات عمل طويلة بلا أجر مناسب، وحجب الأجور، وحرمان العمال من حريتهم في التنقل، وأحيانًا من الاتصال بأسرتهم.

كما ربطت تقارير حقوقية حالات إساءة المعاملة، بما في ذلك الاعتداء الجسدي واللفظي، ببقاء العمال تحت سلطة الكفيل، وعدم قدرتهم على اللجوء إلى السلطات دون مخاطر ترحيلهم. وشددت هذه التقارير على أن الإصلاحات الجزئية، مثل إلغاء شرط تصريح السفر أو السماح بالانتقال بين جهات العمل بعد انتهاء العقود، لا تعالج جوهر المشكلة، لأنها لا تمنح العمال استقلالية كاملة عن الكفيل.

التحديات الداخلية للإصلاح

على الرغم من الإصلاحات القانونية، إلا أن التطبيق الفعلي للنظام الجديد يواجه تحديات كبيرة. فالكثير من العمال لا يزالون يفتقرون إلى معلومات كافية حول حقوقهم الجديدة، في حين يستمر بعض أرباب العمل في ممارسة الضغوط النفسية والاقتصادية لمنع الانتقال الحر للعمال.

كما أن السلطات لا تزال تعتمد على الكفلاء كجهة أساسية لمراقبة العمال، ما يحافظ على عنصر السيطرة والتبعية.

ويرى خبراء أن الإصلاح الجزئي قد يكون خطوة أولى نحو تقليص سلطة الكفيل، لكنه لا يضمن حماية حقيقية للعمال الأجانب، إذ تبقى لديهم المخاطر القانونية والاجتماعية المرتبطة بالاعتماد على كفيل واحد.

ويضيف هؤلاء أن استمرار نظام الكفالة، حتى بصيغته الحديثة، يعكس بقاء هيكل السلطة التقليدي الذي يربط العمال بالكفيل بشكل مباشر.

النتيجة والمستقبل

يظل نظام الكفالة، حتى بعد التحديثات، محل جدل كبير، ويثير تساؤلات حول مدى التزام المملكة بحقوق الإنسان والعمال. الإصلاحات التي تم الإعلان عنها لم تمنح العمال استقلالية كاملة، ولم تلغِ سلطة الكفيل بشكل جذري، مما يجعل النظام مستمرًا في خلق بيئة يمكن أن تُستغل فيها العمالة الأجنبية.

وتشير التطورات الحالية إلى أن السعودية تسعى إلى تقديم صورة إيجابية عن إصلاحاتها، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى أن العمال لا يزالون يعيشون قيودًا قانونية واجتماعية تجعلهم عرضة للاستغلال، وأن خطوة الإلغاء الكامل لنظام الكفالة ما زالت بعيدة المنال.

ويؤكد مراقبون أن التحدي الأكبر الآن هو ضمان أن تُترجم التحديثات القانونية إلى حماية فعلية للعمال، ومنحهم حرية حقيقية في اختيار عملهم والتنقل داخل وخارج المملكة، بعيدًا عن سلطة الكفيل، وهو ما يمثل المعيار الحقيقي لأي إصلاح جوهري في هذا المجال.