تواجه شركة غوغل اختبارا عسيرا للاختيار بين إغراءات مالية سعودية أو الاستجابة لانتقادات حقوقية شديدة تطالبها بوقف خططها للتعاون مع الرياض.
وتخطط غوغل منذ مدة لإقامة خدمات سحابية في السعودية على ضوء ثقلها الاقتصادي الكبير في الشرق الأوسط.
غير أن المشروع يواجه انتقادات بسبب ملف حقوق الإنسان في المملكة، وسط تساؤلات هل تستطيع الشركات الأمريكية مقاومة الإغراءات السعودية؟.
وتتعالى انتقادات منظمات حقوقية وأخرى مهتمة بالانترنت لعملاق التكنولوجيا غوغل بسبب خطط لإنشاء منطقة خدمات سحابية رقمية “كلود” في السعودية بسبب وضع حقوق الإنسان في المملكة.
وأصدرت 38 منظمة حقوقية إقليمية وعالمية، بينها أمنستي وهيومن رايتس وواتش وفرونت لاين ديفيندرز والديمقراطية للعالم العربي الآن بيانا مشترطا يطالب غوغل بوقف المشروع المذكور.
وصرح مدير القسم التقني في منظمة العفو الدولية أن “الرياض لديها سجل حقوقي كئيب، ومن ضمن ذلك المراقبة الرقمية للمعارضين، وهي مكان غير آمن لاحتضان منصة سحابية لغوغل”.
وكانت شركة أرامكو السعودية أعلنت نهاية العام الماضي أنها ستفتتح رفقة غوغل منطقة سحاب رقمي في السعودية ضمن مشروع مشترك هدفه الوصول إلى سوق طموح قد تصل قيمته إلى 10 مليارات دولار في أفق عام 2030.
ويتوجه المشروع بالأساس إلى الشركات العاملة في السعودية التي أعلنت عن رؤية طموحة لتنويع المصادر الاقتصادية للمملكة.
ويشير موقع CNBC إلى أن غوغل كان على مفاوضات مع السعودية منذ عام 2018، لكنها توقفت بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلده خلال نهاية العام ذاته، لتعود في وقت لاحق.
وتقول شركة غوغل من طرفها إن هذا الاستثمار من شأنه أن يتيح نموا اقتصاديا للكثير من الشركات وسيتيح لها كذلك أرباحا كبيرة تقدر بعشرة مليارات دولار سنويا.
ومن الشركات المستفيدة من هذا الاتفاق شركة نون للتجارة الرقمية، وكذلك الشركة المالكة لتطبيق سناب شات التي صرح أحد مسؤوليها أنه من المهم أن تكون تجهيزات الشركة قريبة بقدر الإمكان من الزبائن.
وتريد السعودية أن تتنافس في مجالات السحاب الرقمي مع جيرانها كالإمارات التي تستضيف حاليا مشروعا مماثلا من شركة مايكروسوفت، وكذلك فعلت أمازون في البحرين، فضلا عن أن غوغل أعلنت رسميا قرب إنشاء مشروع سحاب رقمي في قطر.
لكن الشراكة بين السعودية وغوغل يمكن أن تتجاوز المشاريع السحابية، إذ تورد CNBC أن هناك تقارير بإمكانية إنشاء شبكة انترنت عبر الألياف البصرية ستربط بين أوروبا والهند عبر السعودية وإسرائيل، وستكلّف أكثر من 400 مليون دولار.
ولم تتخلص الرياض من فضيحة اغتيال جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول رغم المحاكمات التي أعلنتها، خصوصا مع خلاصات الاستخبارات الأمريكية أن العملية تمت بموافقة من ولي العهد محمد بن سلمان.
وفي الوقت الذي بدأت فيه السعودية انفتاحا اجتماعيا اشتدت قبضتها على مجال حرية التعبير، ولا يزال العشرات من النشطاء معتقلين.
وليس فقط سجل المملكة في قضايا الاعتقال السياسي، بل كذلك إمكانية حصول السلطات السعودية على معطيات المستخدمين، إذ تساءلت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها عن كيفية تعامل غوغل مع إمكانية وصول الموظفين في مكاتبها بالسعودية للمعلومات المخزنة وكيف سيتعاملون مع طلب “قانوني” توجهه لهم السلطات السعودية للحصول على بيانات شخصية.
تقول غوغل في جواب بعثته لهيومن رايتس ووتش إن تطوير منتجاتها وتوسيع عملياتها يأخذ بعين الحسبان المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وإنها أجرت تقييما مستقلا حول تطابق هذه المعايير مع مشروعها في السعودية.
وأضافت إنها اتخذت خطوات لمعالجة إشكاليات ظهرت خلال هذا التقييم، لكنها أشارت كذلك إلى أن مشروعها الإقليمي في السعودية محدود النطاق ويركز على الأعمال التجارية ولا علاقة له بخدمة العملاء.
غير أن المنافع الاقتصادية للشركات العالمية تدفع الكثير منها لمحاولة الاستفادة من المشاريع الضخمة التي تريد السعودية إطلاقها بغض النظر عن طبيعتها.
ويدرك خبراء الاقتصاد أن الثقل المالي للرياض وخططها الكبيرة في المجال الاقتصادي يقوي حظوظها بشكل كبير لاستضافة شركات عالمية لن تكون قادرة على مقاومة الإغراءات الكبيرة خصوصا مع عدم قدرة الأوراق الحقوقية على التأثير في خارطة الاقتصاد العالمي، وهو ما ظهر مع بلدان متعددة كالصين وروسيا.