تعمد الرئيس الأمريكي جو بايدن توجيه إشارات إهانة شخصية لولي العهد محمد بن سلمان قبل زيارته المثيرة للجدل إلى السعودية منتصف الشهر المقبل.
فقد قلل بايدن في تصريحات علنية من شأن الاجتماع المرتقب مع بن سلمان، خلال رحلته إلى المملكة في 15 يوليو المقبل.
وقال بايدن قبل أيام للصحفيين “لن ألتقي بابن سلمان، سأحضر اجتماعاً دولياً، سيكون ولي العهد جزءاً منه، تماماً كما لو كان هناك أشخاص آخرين يشاركون في الحوارات”.
من جهتها صرحت سكرتيرة البيت الأبيض قالت؛ إن “بايدن سيقابل أكثر من عشرة زعماء في هذه الرحلة”، وفي حال حدوث لقاء بايدن وبن سلمان فإنه سيكون “حدثاً جانبياً وليس محورياً”.
كما أصدر البيت الأبيض بيانا يشير فيه إلى أن “بايدن سيلتقي مع نظرائه من قادة المنطقة”، وأن الرئيس الأمريكي “يقدر قيادة الملك سلمان على دعوته”، دون أن يرد في البيان اسم بن سلمان قط.
من جهتها أبرزت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أنه من المقرر أن يقوم بايدن بزيارة السعودية على الرغم من احتجاجات جماعات حقوق الإنسان وعدد من الشخصيات البارزة داخل الحزب الديمقراطي (حزب بايدن نفسه)، الذين يرون أن الزيارة الرئاسية ستمنح السعودية مباركة ضمنية لسجلِّها في انتهاكات حقوق الإنسان.
ومن جانبها، قالت تريتا بارسي، نائبة الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفن الحكم الرشيد: “رحلة بايدن أشبه ما تكون بحزمة إسعافات أولية للجرح الغائر الذي باتت تعاني منه العلاقات الأمريكية السعودية”.
وأضافت تريتا “من الواضح أن أمريكا عليها العمل من أجل إقامة علاقات صحية أكثر مع السعودية، ولكن هذا ببساطة غير ممكن ما لم تعالج الولايات المتحدة أوجه القصور العميقة في جوهر تلك العلاقة، والتي ترتبط بغض طرف الولايات المتحدة عن دعم السعودية للإرهاب الجهادي وانتشار الوهابية وغيرها من الأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة”.
يوضح التقرير أن زيارة بايدن للسعودية تُعد تراجعًا عن تعهده بجعل السعودية “منبوذة” خلال حملته الانتخابية، كما أنها تصطدم بقوة مع تحركاته التي اتخذها في أوائل فترة رئاسته لتجميد مبيعات الأسلحة وسحب الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.
ومع ذلك، كان ذوبان جليد العلاقات المتوترة سيحدث حتى قبل ارتفاع أسعار النفط، وذلك مع استضافة واشنطن سرًّا خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد، العام الماضي.
وعلى الرغم من أغصان الزيتون التي يلوِّح بها البيت الأبيض، لا يزال هناك اشمئزاز في واشنطن من مقتل الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، على أيدي عملاء سعوديين، (وهي عملية الاغتيال التي كشفت الاستخبارات الأمريكية عن أنها نُفذت بأمر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان).
وهذا ما تجلى بوضوح في الآونة الأخيرة بعد الإعلان عن إطلاق اسم جمال خاشقجي على الشارع الذي تقع فيه السفارة السعودية في الولايات المتحدة.
ويلفت التقرير إلى أن بايدن استبدل التهدئة بالخطاب المتشدد، حاله في ذلك حال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فعل ذلك من قبل، على أمل أن يكون استعراض التقارب كافيًا لإقناع ولي العهد السعودي، الذي كان منبوذًا في السابق، بمباركة زيادة إنتاج النفط للمساعدة في استقرار أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى انخفاض أسعار البنزين في الولايات المتحدة.
وألمح التقرير إلى أنه مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، وضعت إدارة بايدن المخاوف الاقتصادية المحلية على رأس أولوياتها، وبدأت في مهاجمة شركات الطاقة المحلية التي تسعى لجني الأرباح في ظل ضغوط الأسعار.
ويمضي التقرير موضحًا أنه إذا كان واضحًا سبب احتياج بايدن إلى السعودية في هذه المرحلة، فلا يبدو واضحًا ماهية السبب الذي يجعل السعودية تحتاج إلى بايدن، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار النفط التي تنعش الاقتصاد السعودي وتسهم في دعم خزائن المملكة.
ويبدو هذا الأمر جليًّا، لا سيما أنه للسعوديين ببساطة، إذا كانت استطلاعات الرأي دقيقة، انتظار خروج بايدن من السلطة.
وينوه التقرير إلى أنه من المقرر أن يكون النصف الثاني من فترة رئاسة بايدن أصعب من النصف الأول، إذ يُرجَّح أن يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، إن لم يسيطروا على مجلس الشيوخ، في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم.
وعلى الرغم من الاستثمارات العسكرية الضخمة، لا يزال الأمن مصدر قلق كبير للسعوديين، ومع ذلك، فإن الالتزام الدفاعي الواضح للولايات المتحدة من شأنه أن يوفر مبدأ المنفعة المتبادلة التي تريدها السعودية من واشنطن.
وفي هذا الصدد، تحدث ستيفن كوك، خبير شؤون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، إلى مجلة فورين بوليسي قائلًا: “هناك شيء تلو الآخر يزعزع إيمانهم بفكرة أن المنقذ سيظهر في النهاية، إن السعودية تبحث عن شيء آخر غير الكلمات التي ستقنعهم بأن الأمريكان ملتزمون بأمنهم”.
ويبدو أنه من غير المرجح أن يكون الطريق ذا اتجاه واحد، إذ يتوقع كوك أن يضغط بايدن على السعودية لتقطع على نفسها التزامات بشأن مسألتين صعبتين لكي توفر له غطاءً سياسيًّا لدى الكونجرس: وهما تحسين سجلَّها في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إقامة علاقات علنية أكثر مع إسرائيل.