نجح نظام آل سعود في تغيير معالم مدينة مكة وأطلقت وحش الرأس مالية ليتغول عليها ويحولها من مصدر اشعاع ديني وروحي في العالم, إلى مصدر دخل وفير لجيوبهم الذين يحكمون الحرمين الشريفين.
اقتربت شواهد مدينة مكة التاريخية والتراثية من خطر التلاشي بشكل غير مسبوق مع تدمير آثارها وتغيير شكلها إلى مدن الاستهلاك الحديثة.
وبدلا من الآثار القديمة التي تشعر الحاج والزائر أنه يلمس آثار النبي عليه الصلاة والسلام ويمشي في شعاب مكة مع الصحابة، حول آل سعود المدينة لما يشبه المدن الاستهلاكية الحديثة فتجد الفنادق الفخمة والمولات والمحال التجارية الكبيرة، وتجد المطاعم العالمية تكاد أن تكون في الحرم المكي الشريف، فهي على بعد خطوة واحدة في أضخم برج تجاري “برج الساعة”.
ويُعد الحج ثاني أكبر مصدر دخل للمملكة بعد النفط الذي تعد هي أكبر مصدر له في العالم، وزاد آل سعود أرباحهم من الحج عاما بعد آخر ليتخطى حاجز الترليون دولار.
ولا تترك المملكة فرصة إلا وتستغلها لترفع أسعار الحج والعمرة والخدمات وغيرها، ناهيك عن اطلاق العنان لجشع التجار لينهشوا من أموال المسلمين الذين يريدون زيارة العاصمة المقدسة وأداء المناسك.
وقد ألقى آل سعود بالحاج إلى براثن التجار والرأس مالية البشعة، فلا إقامة سوى بفندق، والذي بدوره يطلب أسعارا خيالية، ومثله السيارة العمومية التي تستغل الحاج استغلالاً كبيراً.
كما حصل آل سعود على الكثير من المال مقابل اقامة المطاعم العالمية فروعا له في مكة، والتي بدورها ستحصل على هذا المال وزيادة من الحجاج المسلمين.
ورفعت المملكة تكاليف الحج عدة مرات خلال السنوات الأخيرة، لتجمع الأموال من جيوب فقراء المسلمين الذين يريدون أداء الحج والعمرة أو زيارة العاصمة المقدسة.
وأصبح الحاج مرغما على دفع تأشيرة سفر خاصة بالحج أو العمرة وتكاليف باهظة للسكن لأن خدمات الفنادق مرتفعة الثمن وتدفع الكثير من الضرائب للسلطات السعودية.
كما يضر الحاج والمعتمر إلى دفع مبالغ كبيرة مقابل الطعام، ويضطر لمجاراة جشع التجار الذين يضاعفون أسعار السلع والخدمات في وقت الحج وخلال شهر رمضان المبارك.
كما يقع الحاج تحت سطوة سائق السيارة الذي يعتمد على الغش والخداع لتحصيل مبالغ ضخم من الحاج كبير السن مقابل خدمة توصيل لا تذكر.
وبدلا من 10 ريالات كان يدفعها الحاج لسائق التكسي مقابل مواصلة لا تتجاوز الكيلومترين، يجبر السائق الحاج المسكين على دفع 100 ريال وأكثر.
وفي السوق، رفعت المملكة الضرائب بشكل كبير، والتي يحملها التجار بدورهم على الحجاج والمعتمرين وزوار الحرمين الشريفين ويحصلوها منهم إضافة للأرباح.
كما تطلق السلطات العنان لمختلف أساليب الغش والخداع وتسويق السلع المزيفة ليقع المسلمين في نهاية المطاف ضحية مجموعة متشابكة ومتكاملة من عمليات النصب والخداع وغلاء الأسعار، ليدفع في الحرمين خلال شهر ما جمعه طوال حياته.
وبدلا من أن تخدم السلطات الحجاج والمعتمرين، أصبح الحجاج يدفعون كل ما يملكون ولا يجدون سوى الغش والخداع في مكة التي أضحت مدينة استهلاكية على الطراز الحديث، لا تشبه تلك التي انطلق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم لينشر للدنيا رسالة الإسلام العظيم.
وباعتبار أن الحج فريضة إسلامية فيجب أن يكون المشرف المباشر على أرباح الحج مؤسسة إسلامية جامعة (الدولة الإسلامية) تتولى إدارة الشؤون المالية للحج من تكاليف ومن إيرادات وتتولى توزيع الأرباح على المشاريع. إلا أن ما يحدث فعليا هو أن المستفيد الفعلي من أرباح الحج والعمرة هم الفئة الحاكمة من آل سعود والشركات المتشاركة معهم.
وتذهب هذه الأرباح إلى جيوب فئة قليلة تكدس هذه الأرباح لتدعم بها مشاريع خارجية لا تمت إلى الإسلام والمسلمين بصلة.
يذهب المسلمون إلى الحج من مختلف أنحاء العالم أشتاتا وزرافات، لكن وحدتهم ممزقة، وجمعهم مفرق مشتت، يمثلون 188 جنسية، بدل أن يكونوا كلهم رعايا لدولة واحدة، دولة الخلافة الراشدة، نعم يجتمع المسلمون في الحج وهم على هذه الحال، بدل أن يجتمعوا على أمير يحبهم ويحبونه، ويصلي عليهم ويصلون عليه، يخطب فيهم وينصح لهم كما كان الحال مع الرسول عليه الصلاة والسلام في خطبته بعرفة في حجة الوداع، وكما كان الحال مع الخلفاء حيث كانوا يجتمعون مع ولاتهم يستطلعون منهم أحوال الرعية ويطمئنون إليها، وحيث كانوا يستمعون إلى شكاوى المسلمين ضد إساءات بعض الولاة أو العمال ليقتص الخليفة منهم.
إن الحج شاهد على وحدة المسلمين، وهو يستصرخهم أن يعيدوا لحمتهم، ويقيموا دولتهم، ويبايعوا خليفتهم، ليعودوا جماعة متماسكة قوية، يقودهم خليفتهم، ويقيم فيهم أحكام الله، ويجاهد بهم في سبيل الله.
وفي هذا السياق يقول المفكر الإسلامي د. ضياء الدين سرداد، وهو بريطاني من أصل باكستاني إن آل سعود حولوا مكة للأوزة التي تبيض لهم ذهبا، وذهب جشعهم بأموال المسلمين جميعا.
ويعد سرداد أحد القلائل المتخصصين في تاريخ مكة المكرمة، وقضى 40 عاما يجري أبحاثه حول الحج والعمرة وتاريخ المدينة.
كما ألف سرداد كتاب “تاريخ مكة من ولادة إبراهيم إلى القرن الحادي والعشرين” يقدم من خلاله تاريخ مكة، وكيف قضى آل سعود على تاريخ المدينة وآثارها الإسلامية وكنوزها الحضارية في سبيل اقامة مدينة استهلاكية لجمع المال.
وقال سرداد في مقابلة صحفية إن “مكة المكرمة هي مدينة يؤدي فيها المسلمون طقوس الحج، لكن في الوقت الحالي من يديرها هو الملك حيث الاخلاق غائبة في المكان بشكل فعلي، تكثير فيها الممارسات العنصرية والتعصب وسوء المعاملة، ولقد رأيت بنفسي مرارا وتكرارا الاستخبارات السعودية والحرس السعودي وهم يعاملون المسلمين هناك بشكل عدواني، ويتم القبض على الزائر أو العامل الأجنبي تحت أي سبب، وقد يتعرض للتعذيب حتى لو كان بريئا.
وأضاف “هناك يتم كل عام قتل عشرات من العمال الأسيويين لأسباب واهية، وأغلبهم من الفقراء والمهمشين ويأتون إلى مكة طلبا للرزق”.
ولفت المفكر الإسلامي إلى أن ما نراه اليوم ليست الكعبة التي كانت على زمن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم، بل نسخة أخرى، “حيث لا يمكنك رؤية أي شيء من الآثار القديمة، حيث البيوت والمساجد الصغيرة، لقد دمرت الجرافات كل شيء في الحرم، وصارت المدينة مشوهة إنها تشبه الى حد ما “لاس فيغاس في أمريكا، لقد تم تدمير تاريخ الأمويين والعباسيين والعثمانيين من أجل الخرسانة المسلحة”.
وأضاف “لا شيء على الإطلاق باقي من مكة القديمة، بيت السيدة خديجة وبيت النبي ومساكن أهل البيت وأوائل اتباع النبي وأصحابه كلها تم تدميرها، انهم يحفرون في كل مكان من أجل اقامة ابراج سكنية وفنادق، لقد ساوت الجرافات كل شيء بالأرض”.
ورفض سرداد الحجج التي قدمها آل سعود لتدمير آثار المسلمين، قائلا : “هذه حجة واهية، المسلمون يعرفون جيدا الفرق بين احترام تراث نبيهم وعبادة الله من جهة أخرى، إنهم يصلون لله فقط وليس لأي شخص اخر، السعوديون يسخرون من المسلمين، فلماذا محو اثار النبي، لقد قام الأمراء ببناء قصور ليسكنو فيها ولكنهم في نفس الوقت حولوا بيت عائشة – زوجة النبي صلى الله عليه وسلم – لمكان حيث المراحيض”.