إخفاقات بن سلمان في 2019 أغرقت المملكة في مستنقع أعمق
رأت كاتبة سعودية بارزة أن إخفاقات ولي العهد محمد بن سلمان أغرقت المملكة في مستنقع أعمق على العديد من الجبهات خلال العام 2019.
وتوقعت مضاوي الرشيد الكاتبة في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن تغييرا في القيادة يمكن أن يعد بمستقبل أفضل للمملكة.
وقالت مضاوي إنه لو كان النجاح يقاس بالإنجازات فإن المملكة تحت قيادة بن سلمان غرقت في مستنقع أعمق على العديد من الجبهات خلال العام الماضي، مبرزة تخلل المشهد المحلي الداخلي تناقض الإصلاح والقمع.
وأشارت إلى أنه على الصعيد الإقليمي، عانت حقول النفط من هجومين أعاقا الإنتاج وتعثرت المصالحة التي أجهضت مع جارتها الخليجية قطر حتى قبل أن تبدأ.
وعلى الصعيد العالمي ما زال بن سلمان ينقذ سمعته قائدا موثوقا به بعد مغامرة عسكرية فاشلة استمرت خمس سنوات في اليمن ومقتل الصحفي جمال خاشقجي في أواخر عام 2018، وكلاهما أحبط حماسه لمشروعه لجذب المستثمرين الدوليين وتعويم شركة أرامكو في الأسواق العالمية.
وعلى هذه الجبهات الثلاث أثبت ولي العهد نجاحا فقط في تقويض مصداقية المملكة وتشويه سمعتها بشكل لا يمكن إصلاحه.
ورأت الكاتبة السعودية البارزة أن العام المقبل لا يبدو مشرقا بالنسبة للسعودية إذا ما استمر القمع والمغامرات الإقليمية. وقالت إن التغيير في القيادة يمكن أن يعد بمستقبل أفضل للمملكة واستعادة صورتها خارج حدودها.
وكان بن سلمان روج لدى وصوله إلى ولاية العهد أنه يحمل رؤية طموحة للإصلاحات التي تحتاجها المملكة.
ففي عام 2016 طرح ولي العهد رؤية 2030، التي تقوم على ثلاثة محاور من بينها تحقيق اقتصاد أكثر تنوعا واستدامة، وتعزيز دور المملكة في التجارة الدولية.
وتتحقق هذه الرؤية من خلال 13 برنامجا، تحقق 96 هدفا استراتيجيا تصل إليهم المملكة بحلول عام 2030.
وروج بن سلمان لدى الغرب بأنه ظهر بن سلمان راعيا للكثير من الخطوات الإصلاحية، من بينها إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، والسماح بسفر المرأة بدون محرم، وإلغاء ولاية الرجل على المرأة بحيث يُسمح لها باستخراج جواز سفر دون إذن ولي، وأن تصبح رب أسرة.
كما شملت الإصلاحات تدشين الهيئة العامة للترفيه، واستضافة المملكة لحفلات غنائية واستعراضية وعروض مسرحية بما شكل انقلابا صريحا في المملكة التي غلب عليها الطابع المحافظ.
لكن كل هذه الإصلاحات والرؤى والخطاب الانفتاحي سرعان ما تكشف زيفها داخليا وخارجيا بعدة شواهد لعل أبرزها جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية المملكة في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وظلت الجريمة وتبعاتها تطارد بن سلمان رغم محاولاته المستميتة للهروب منها وإعلانه أنه يتحمل المسؤولية عن مقتل خاشقجي “كون ذلك حدث وأنا في موقع السلطة”.
لكن حتى هذا التصريح لم يكن له رصيد فعلي بعد أن عمل بن سلمان على تبرئة كبار مساعديه في الجريمة من أجل أن يبعد الشبهات عن بنفسه وهو ما يقابل برفض المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية.
وكان موقف نظام آل سعود الأولي من جريمة قتل خاشقجي هو إنكار وقوع الجريمة من الأساس، حتى انتهى الأمر بإعلان مسرحية أحكام لا تشمل المسؤولين الكبار.
إذ تم تبرئة اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات وقت مقتل خاشقجي، والمتحدث السابق باسم التحالف الذي تقوده السعودية في حربها ضد الحوثيين في اليمن.
وعُرف عسيري بأنه ضمن الدائرة المقربة لولي العهد إلا أن الملك سلمان أُعفاه من منصبه عقب مقتل خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز آنذاك أن عسيري تلقى تصريحا شفهيا من ولي العهد باعتقال خاشقجي لاستجوابه في المملكة.
ورجحت تقارير صادرة عن المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أن قتل خاشقجي جاء بأوامر من بن سلمان.
وقالت صحيفة واشنطن بوست، التي كان خاشقجي يكتب فيها، إن تحقيق سي آي أيه مبنيٌّ على اتصال هاتفي أجراه خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد وسفير المملكة في واشنطن.
ورجحت الصحيفة أن خالد بن سلمان اتصل بخاشقجي، بتوصية من شقيقه ولي العهد، وطمأنه على سلامته إذا ذهب إلى القنصلية في اسطنبول.
وأمرت الإدارة الأمريكية بمنع نحو 20 مسؤولا سعوديا من دخول الولايات المتحدة وجمدت أرصدة 17 آخرين.
وأدرجت ألمانيا أسماء 18 مسؤولا سعوديا ضمن الممنوعين من دخول البلاد، وبالتالي بلدان الاتحاد الأوروبي ككل. وهو قرار قالت إنه أتى بالتنسيق مع المملكة المتحدة وفرنسا.
كما ألزم الكونغرس إدارة ترامب بتقديم تقرير نهائي عن مدى مسؤولية ولي العهد السعودي في القضية.
ثم في فبراير/شباط 2019، نفى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، تستر بلاده على جريمة قتل خاشقجي. وتضع الاتهامات المتتالية بن سلمان في موقف دفاعي مستمر.
ففي مطلع هذا العام، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤول في المخابرات الأمريكية أن محمد بن سلمان هدد بإطلاق “رصاصة” على خاشقجي إذا لم يعد إلى المملكة، أثناء مكالمة هاتفية مسجلة لدى المخابرات الأمريكية مع أحد مساعديه.
ثم طفت الاتهامات مجددا في يونيو/حزيران الماضي، بعد تقرير أممي دعا لاستجواب محمد بن سلمان في قضية قتل خاشقجي.
وقالت أنياس كالامارد، مقررة الأمم المتحدة المعنية بالتحقيق في قضايا القتل خارج نطاق القانون، إنه ثمة دليل يمكن التعويل عليه يشير إلى أن ولي العهد السعودي ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى يتحملون مسؤولية مقتل خاشقجي بشكل فردي. وأوصت بإجراء المزيد من التحقيق من جانب جهة دولية مستقلة ومحايدة.
وبخلاف المواقف الرسمية، يطارد الرفض الشعبي بن سلمان في زياراته الخارجية. ربما كان أبرزها في المظاهرات التي خرجت في تونس تنديدا بزيارته للبلاد، في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وهي أول جولة خارجية بعد مقتل خاشقجي. وأنهى ولي العهد السعودي زيارته للبلاد آنذلك خلال أربع ساعات.
وتصاعدت الضغوط على السياسة الخارجية للمملكة خصوصا بشأن حرب اليمن ومبيعات الأسلحة المرتبطة بها. وهو ما تجلي في أكثر من مناسبة خلال العالم الماضي.
ودأب مجلس الشيوخ الأمريكي على اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتقييد حرب اليمن وحظر بيع الأسلحة للمملكة.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قرارا غير ملزم بسحب جميع القوات الأمريكية المشاركة في القتال في اليمن باستثناء أولئك الذين يقاتلون المتطرفين الإسلاميين.
وكان هذا القرار بداية لسجال بين إدارة ترامب والكونغرس، إذ يعتبر ترامب أن نظام آل سعود شريكا اقتصاديا لا يمكن التخلي عنه. فقبل أقل من سبعة أشهر من مقتل خاشقجي، كان ترامب يستعرض مع بن سلمان الأسلحة التي تشتريها المملكة وأسعارها أثناء زيارة الأمير الشاب للبيت الأبيض.
ورغم تلويح ترامب باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد هذا النوع من القرارات، إلا أنها لم تكن رادعا لتواليها.
وفي 14 مارس/آذار، وافق أعضاء مجلس الشيوخ على مشروع قرار يلزم الرئيس “بسحب القوات المسلحة الأمريكية من الأعمال القتالية في جمهورية اليمن أو التي تؤثر عليها” خلال 30 يوما.
وتم التصويت بأغلبية 56 صوتا مقابل 46 صوتا، واتخذ فيه سبعة من الجمهوريين موقفا مؤيدا لمعسكر الديمقراطيين الرافض لسياسة ترامب الخارجية الداعمة للرياض.
وحاول ترامب في مايو/أيار الماضي تجاوز الكونغرس وإتمام صفقة أسلحة للسعودية، بقيمة ثمانية مليارات دولار، بحجة حمايتها من إيران.
لكن في يونيو/حزيران، جاء رد الكونغرس بالتصويت لصالح ثلاثة قرارات تمنع بيع الأسلحة أو الذخيرة للسعودية، وترفض تخطي ترامب لموافقة الكونغرس قبل إتمام صفقات الأسلحة.
وتتعلق هذه القرارات بعقود بيع أسلحة وذخيرة وصيانة طائرات للسعودية، بجانب قنابل موجهة بالغة الدقة.
وأتي قرار الكونغرس بالتزامن مع صدور حكم قضائي في بريطانيا، يلزم الحكومة بمراجعة تراخيص بيع الأسلحة للمملكة.
وجاء الحكم بعد دعوى أقامتها حملة مناوئة لبيع الأسلحة، قالت فيها إن هناك خطرا واضحا يتمثل في احتمال استخدام الأسلحة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني.