يضع الرئيس الأمريكي جو بايدن إنجاز إعلان إشهار التطبيع السعودي الإسرائيلي رسميا أولوية لما تبقي من ولايته ويرى أن ذلك قد يساعد في إنهاء الحرب الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة.
ويبدي ولي العهد محمد بن سلمان انفتاحا هائلا على المضي في إشهار التطبيع مع إسرائيل وكان قاب قوسين أو أدنى من إنجاز ذلك غير أن الحرب الإسرائيلية على غزة عطلت هذه الجهود.
وبحسب الدبلوماسي الأمريكي الشهير دينيس روس في مقال له نشرته مجلة فورين أفيرز، إن إعلان بايدن في 21 يوليو، انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية لعام 2024، عجّل بفترة الركود السياسي لرئاسته. يفترض معظم المراقبين أنه لن يتمكن من تحقيق الكثير في الأشهر المقبلة.
لكن بايدن أوضح أن هناك أولوية واحدة يعتزم السعي لتحقيقها في ما تبقى من فترة ولايته: إنهاء الحرب في غزة واستعادة دور الولايات المتحدة كصانع سلام في الشرق الأوسط.
قد تبدو هذه الأهداف غير واقعية في الوقت الحالي، خاصة بعد اغتيالات إسرائيل الأخيرة لقادة بارزين في حزب الله وحماس، التي تعهدت إيران وحزب الله بالرد عليها، مما قد يغرق المنطقة في حرب شاملة لا يرغب فيها أحد.
لكن طالما أن ما سيأتي هو مشابه للجولات السابقة من التبادلات التي بقيت محدودة ولم تتصاعد إلى صراع غير مقيد، فإن خروج بايدن الوشيك يسمح له بالتركيز على إبرام صفقة تطبيع سعودية-إسرائيلية قد تكون مشروطة بإنهاء الحرب في غزة.
من غير المحتمل أن يقاوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جهدًا متجددًا على هذا الصعيد من قبل بايدن وكبار مساعديه.
قد يبدو ذلك غير بديهي، لكن لأسباب عديدة، يحتاج نتنياهو إلى أن تأخذ الولايات المتحدة المبادرة. يعرف نتنياهو أنه بدون التدخل الأمريكي لن يتمكن من إبرام صفقة لإطلاق سراح الرهائن الذين لا تزال حماس تحتجزهم في غزة.
كما يدرك أن الهزيمة العسكرية لحماس لن تكون لها أهمية تذكر إذا تمكنت المجموعة من إعادة تكوين نفسها، إما من خلال تهريب المواد عبر حدود مصر-غزة أو بتحويل الموارد من جهود إعادة الإعمار في غزة—ولا تستطيع واشنطن وحدها صياغة الاتفاقات والآليات لمنع هذا التهريب والتحويل.
علاوة على ذلك، يفهم نتنياهو أنه إذا أراد بديلاً لحكم حماس في غزة، فهو بحاجة إلى تعاون دول عربية رئيسية—الإمارات العربية المتحدة، مصر، وربما المغرب—للعمل مع الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى لإنشاء إدارة مؤقتة في غزة تتولى مسؤولية الحكم والأمن اليومي.
الأولوية للسعودية
من جانبه، لا يريد بايدن فقط إنهاء الحرب. بل يريد أيضًا تغيير المسار السياسي للمنطقة—وهو هدف يتماشى جيدًا مع السعوديين، الذين يريدون أيضًا استخدام هذا الوقت لتحقيق معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة، التي يرونها كأقصى رادع ضد إيران.
يدرك القادة السعوديون أن مثل هذه المعاهدة ممكنة فقط إذا قامت الرياض بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ستتطلب هذه المعاهدة 67 صوتًا للموافقة في مجلس الشيوخ الأمريكي، مما قد يبدو أمرًا صعبًا. ولكن مع التوقيت المناسب، سيكون ذلك ممكنًا.
إذا تم التوصل إلى اتفاق التطبيع قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، يمكن لمجلس الشيوخ النظر فيه خلال جلسته الراكدة في ديسمبر. إذا فازت نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، بالانتخابات، سيرد الديمقراطيون على دعوة بايدن لدعم التصديق، خاصةً كعمله الأخير الكبير كرئيس.
من جهتهم، فقد أيد الجمهوريون عمومًا فكرة مثل هذا الاختراق، ولن يعارضوه في تلك المرحلة إذا كان مرشحهم، دونالد ترامب، قد خسر للتو الانتخابات.
بدلاً من ذلك، إذا فاز ترامب، فلن يكون لديه سبب للضغط على الجمهوريين لمعارضة المعاهدة، لأن تطبيع إسرائيل-السعودية سيبني على اتفاقات إبراهيم الخاصة به ويفرض قيودًا على العلاقة السعودية-الصينية—وسيكون ترامب المستفيد من تلك النتائج.
علاوة على ذلك، فإن السيناتورات الذين هم مقربون من ترامب، مثل ليندسي غراهام، من المحتمل أن يقنعوا ترامب بأن العداء الديمقراطي تجاهه وتجاه السعوديين سيجعل الموافقة على المعاهدة في رئاسة ترامب أمرًا صعبًا للغاية.
التقويم السياسي
سيتماشى التوقيت أيضًا مع الواقع السياسي الإسرائيلي. الكنيست في عطلة حتى بداية نوفمبر، وسيكون من الصعب جدًا إسقاط حكومة عندما يكون الكنيست في عطلة.
هذا يعني أنه خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، سيكون لدى نتنياهو المجال السياسي لاتخاذ قرارات صعبة—القرارات التي قد يرفضها الوزراء اليمينيون في حكومته الائتلافية، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
بهذا المعنى، يعمل التقويم السياسي لصالح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل: يمكن أن يتم التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات الأمريكية، بينما يكون الكنيست في عطلة، ثم يُطرح للتصويت في مجلس الشيوخ الأمريكي بعد الانتخابات.
لكن بدون تعبئة إدارة بايدن وتنظيم الآخرين لتولي الأدوار اللازمة، لن تنتهي الحرب، ولن يتحقق اتفاق تطبيع سعودي-إسرائيلي.
ثمن السلام
لعدة أسباب، سيكون تطبيع السعودية مع إسرائيل مغيرًا للعبة في الشرق الأوسط. الدولة العربية السنية الأهم—التي يحمل ملكها، سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، اللقب الرسمي “خادم الحرمين الشريفين”—ستقوم بالتطبيع العلني مع إسرائيل.
من شأن ذلك أن يقلل من العنصر الديني للصراع بين الدول ذات الأغلبية المسلمة وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، فإن التطبيع سيجلب التعاون الاقتصادي والأمني السعودي-الإسرائيلي الضمني إلى العلن، ويعزز تحالفًا إقليميًا لمواجهة إيران ووكلائها، ويحد من محاولات الصين لتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة.
سيخدم التطبيع بشكل واضح المصالح الوطنية الأمريكية. وسيخدم المصالح الإسرائيلية. عندما استأنف نتنياهو السلطة في أواخر عام 2022، حدد معاهدة سلام مع السعودية كأولوية قصوى، لأنها ستدمج إسرائيل في استراتيجية إقليمية أوسع لمواجهة إيران ووكلائها.
تحقيق هذا الهدف الآن سيسمح له أيضًا باستعادة بعض رأس المال الاعتباري الذي فقده عندما هاجمت حماس إسرائيل في أكتوبر الماضي. كما سيخدم التطبيع المصالح السعودية.
ستعزز معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة الأمن الوطني السعودي، مما يسمح للمملكة بالتركيز على أولويتها الحقيقية: التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي حددته رؤية 2030، التي تعد الخطة الشاملة لتحقيق الازدهار الاقتصادي والسلام في الشرق الأوسط.
من الواضح أن التطبيع سيخدم المصالح الوطنية الأمريكية. سيساعد في تحقيق المصالح الإسرائيلية. عندما استأنف نتنياهو السلطة في أواخر عام 2022، حدد معاهدة سلام مع السعودية كأولوية قصوى، لأنها ستدمج إسرائيل في استراتيجية إقليمية أوسع لمواجهة إيران ووكلائها.
تحقيق هذا الهدف الآن سيمكنه أيضًا من استعادة بعض رأس المال المعنوي الذي فقده عندما هاجمت حماس إسرائيل في أكتوبر الماضي. وسيخدم التطبيع أيضًا المصالح السعودية.
ستعزز معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة الأمن الوطني السعودي، مما سيسمح للمملكة بالتركيز على أولويتها الحقيقية: التحول الاجتماعي والاقتصادي الموضح في رؤية 2030، الخطة الشهيرة لتحقيق الازدهار الاقتصادي والريادة العالمية في الطاقة المتجددة، والتي يراهن عليها محمد بن سلمان.