يجمع المراقبون على أن أكبر معضلة تواجه السعودية في عهد الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد هي الانتقال من أمن ومستقبل الدولة إلى أولوية أمن النظام واستقرار حكمه.
ويبرز المراقبون أن الهدف الجوهري للنظام السعودي القائم هو الحفاظ على السلطة، ما دفعه للانتقال من مفهوم “أمن الدولة” إلى مفهوم “أمن النظام”، الأمر الذي يدل على أن احتفالات النظام السعودي في 23 من أيلول/سبتمبر بالعيد الوطني لا يعدو كونه مساحة للتظاهر بأمن النظام.
وفي هذا السياق يثار نهج محمد بن سلمان القائم على القمع والعنف الداخلي لسحق أي معارضة سلمية أو تعبير عن الرأي.
وترصد منظمات حقوقية تصعيد السلطات السعودية نهج الاعتقالات التعسفية والتعذيب في السجون في ظل انعدام ضمان عدالة المحاكمات.
فضلا عن ذلك يعمل بن سلمان على إحداث انقلاب على هوية المجتمع السعودي المحافظ بغرض نشر الانحلال والإفساد من جهة وإلهاء الشعب بفعاليات الترفيه من جهة أخرى للتغطية على انتهاكاته.
وعمل بن سلمان على الانتقال من دفة الوهابية إلى دفة “الإسلام المعتدل” كوجه حضاري ومنفتح للدين الإسلامي، مستهلاً ذلك بالتضييق على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي سبيل ذلك عمد ولي العهد إلى إقرار مجموعة من المطالب الحقوقية البسيطة المرتبطة بالسماح للمرأة بقيادة المركبة وخلق إطار ترفيهي عبر احياء حفلات غنائية مختلطة.
أما خارجيا يعمل بن سلمان في ظل الانسحاب الأميركي من المنطقة وتضاؤل فرص التفاهم بينه وبين الرئيس جو بايدن على التقرب من إسرائيل والتطبيع المتدرج معها في سبيل تعزيز علاقاته الخارجية.
وبذلك باتت تمتثل أمام أي مراقب أو مهتم بدراسة الشأن “السعودي” إشكالية الهوية، وقد عمل كل من ورث الحكم، أو استولى عليه، على طمس نفور هذه الإشكالية عبر سلسلة من التحالفات الخارجية وتبني خطاب إسلامي عربي في فترة من الفترات، كمحاولة للعب على وتر الأولويات.
والمستجدات في المملكة بدأت تتمظهر معالمها منذ عام 2016، مع سطوع نجم بن سلمان ووضوح نواياه بـ” كسر الروتين الملكي”، فكان أول الغيث توليه منصب وليّ العهد ليتم بذلك الإعلان رسمياً عن تبوء الجيل الثالث للحكم ومستقبل البلاد.
فقد اتضح لولي العهد الشاب أن سياسة أجداده في الموازنة بين السياسة والدين لن تصل به إلى تحقيق رؤيته للبلاد، كما أنها لن تُدنيه من نموذج دبي، دون التغافل عن ما تسببت به الوهابية من سوء سمعة دوليا وتضاؤل مفاعيل خطاب العدو الخارجي، فعمد إلى خيار الحرب على اليمن لما رأى في ثورتها تهديدا لأمن بلاده وأمن استمرار سلالته في الحكم.
وبالمحصلة لسياسات محمد بن سلمان فإن قوض مقومات المملكة كدولة والتي يفرض أنها تستند إلى توفر ثلاث مقومات رئيسية: أرض، شعب وسيادة.
ولعل أكثر ما قوضه النظام السعودي في المملكة هي ملف السيادة والدليل على ذلك القواعد العسكرية الأميركية المتواجدة منذ عام 1991 والتي لا يمكن تبرير وجودها وتمسك النظام بها إلا ضمن إطار ضمان استتباب الأمن الداخلي ومصالح واشنطن فيها.