ليس بالأمر الغريب أن ينفرد حكم الفرد أو الدكتاتورية العسكرية الحاكمة بضرورة التغيير الاجتماعي السريع والهيمنة على مقدرات الأمور بالقبضة الحديدية والإجراءات القمعية، لكن أن يحدث هذا الحكم داخل القصر الملكي فهو أمر مثير للدهشة.
والنظام الأساسي للحكم في المملكة تأسس عام 1992 م في عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود بالأمر الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1412 هـ بخصوص طريقة الحكم بالمملكة بشكل سلس كالدستور في الدول الأخرى، وشكلت لجنة برئاسة الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود لوضع النظام الأساسي للحكم.
ودام هذا النظام بسلاسة حتى قدوم الملك سلمان بن عبد العزيز، يناير 2015م، وتحديدا بعد وفاة شقيقه الملك عبد الله، لكث ثمة أحداث مزلزلة حدثت في الديوان الملكي السعودي.
وتمثل الأمر بسيطرة محمد بن سلمان على ولاية العهد يوم 21 يونيو/حزيران 2017 بعد إعفاء ابن عمه الأمير نايف من الولاية ومن وزارة الداخلية، ودون أن يعين ولي وَلِيّاً للعهد، وذلك في انقلاب ناعم داخل الديوان.
ونفذ بن سلمان في نوفمبر 2017م، أكبر حملة اعتقالات في المملكة، طالت أكثر من 381 شخصية من كبار العائلة المالكة والشخصيات الاقتصادية الشهيرة، وأوقف المتهمون في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة السعودية الرياض، الذي تم إخلاء جميع النزلاء منه وإيقاف خدمات الحجز وقطع جميع خطوط الاتصال الهاتفي به.
ومنذ ذاك الوقت، انقسم أمراء آل سعود إلى أربع أنواع، في تصنيف جديد أحدثه “الدب الداشر” وهو لقب أطلقه أحد المعارضين السعوديين على ولى العهد.
والنوع الأول: أمراء معتقلون في سجون سرية وأماكن خاصة، مثل: الأمير تركي بن عبد الله، الأميرة بسمة بنت سعود، الأمير سلمان بن عبد العزيز وآخرين.
وتكثف وساطات أميركية وأوروبية، جهدها، في محاولة للضغط على المملكة وولى عهدها من أجل الإفراج عن الأمير سلمان بن عبدالعزيز بن سلمان بن محمد آل سعود، (زوج إحدى بنات الملك الراحل عبدالله) ووالده المعتقلان منذ يناير 2018.
وتعرض الوساطات الأميركية مبلغا ماليا قدره 2 مليون دولار مقابل الإفراج عنهما، كما يقدم مشرعين أوروبيين التماسا للإفراج عن الأمير سلمان ووالده، المعتقلان منذ عامين دون تهمة وسط حملة صارمة ملكية بحقهما.
النوع الثاني: الأمراء المختطفين الذين لا يعرف مصيرهم، مثل: الأمير أحمد بن عبد العزيز، الأمير نايف بن أحمد بن عبد العزيز، الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز.
ويكتنف الغموض مصير ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، داخل معتقله السرى في المملكة، عقب أنباء عن إصابته بنوبة قلبية نقل على إثرها إلى وحدة العناية المركزة.
وأثارت المديرية العامة للسجون في المملكة التساؤلات والشكوك حول مغزى تغريدة نشرتها عبر صفحتها في “تويتر”، مايو/ أيار عن صحة الأمير، قبل أن تحذف التغريدة زاعمة أنها اختراق لحسابها.
ونفت المديرية العام، وفاة الأمير، وقالت: إن كادرا طبيا متخصصا يشرف على الحالة الصحية للأمير بن نايف على مدار الساعة.
ومحمد بن نايف بن عبد العزيز آل سعود، شغل منصب وليُّ العهد السابق، ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بالمملكة إلى أن أعفي فيما سمي “انقلابا أبيض” عليه من ولي العهد الحالي محمد بن سلمان عام 2017.
ويعتبر هذا البيان أول اعتراف رسمي سعودي باعتقال “بن نايف”، منذ تردد الأنباء عن توقيفه والأمير “أحمد بن عبدالعزيز”، خلال مارس/آذار المنصرم، ضمن حملة شنتها السلطات مؤخرا، وطالت عددا من كبار أمراء العائلة المالكة.
النوع الثالث: الأمراء الذين دفعوا عشرات المليارات مقابل خروجهم من الإقامة الجبرية، مثل: الأمير متعب بن عبد الله، الأمير سعود بن عبد الرحمن بن عبد العزيز، الأمير تركي بن ناصر، الأمير منصور بن متعب بن عبد العزيز وغيرهم الذين أطلق سراحهم من فندق الريتز بالرياض.
وأعلن الديوان الملكي عن مصادرة أكثر من 400 مليار ريال، من أموال الأمراء السابقون، ونقلها من البنوك إلى مؤسسة النقد العربي السعودي (المصرف المركزي للسعودية)، إلا أنها لم تظهر لاحقا في ميزانيات الأعوام اللاحقة، وهو ما يثير شكوكا حول مصيرها.
النوع الرابع: الأمراء الأخوياء الأذلاء، مثل: الأمير الوليد بن طلال، الأمير عبد الرحمن بن مساعد، الأمير فيصل بن فهد، وغيرهم الكثير الذين يلتفون حول ولى العهد الشاب.
وصفت صحيفة “التايمز” البريطانية، ولى العهد السعودي محمد بن سلمان، بـ “الزعيم المغرور والفاشل”، وقالت إنه ليس بمقدوره أن يكون قائد حرب في اليمن وزعيما ومصلحا قادرا على تحقيق التغير في المملكة.
وتوقعت الصحيفة مستقبلا قد ينتهي بالأمير السعودي كإمبراطور مصاب بجنون العظمة، مثل إمبراطور جمهورية أفريقيا الوسطى جان بيدل بوكاسا.
وذكر الكاتب روجر بويز، في مقاله بصحيفة “التايمز” أنه عندما يرحب بالقادة المستبدين ويروج لهم بوصفهم شخصيات جذابة، فهذا يعني من دون شك أنهم سعوا إلى إسكات النقاد وكاشفي الفساد وكل من يمكن أن يقف في وجه صعودهم لتصدر المشهد.
ونبه بويز إلى أن “بن سلمان” الوريث المفترض لعرش المملكة التي تعيش تحت وطأة اضطرابات، استطاع ولو لفترة وجيزة أن يبدو كحليف مقرب للغرب، لكن سرعان ما كشف عن قسوة شديدة وهو يحاول تعزيز سلطته في الداخل والخارج.
أما الآن -كما يرى الكاتب- فإن بن سلمان يواجه تحديا حقيقيا في ظل تراجع عائدات النفط وتفشي فيروس كورونا والركود العالمي مما يجعله أمام خيارين أحلاهما مر: هل يستمر في الحرب المدمرة التي لا يمكن تحقيق الفوز فيها في اليمن؟ أم يتخلى عن طموحه ببناء مدينة ضخمة حديثة مطلة على البحر الأحمر؟
ولاحظ الكاتب أنه لا يمكن للأمير السعودي الحصول على كل شيء في الوقت ذاته، فلا يمكنه الموازنة بين أن يكون قائد حرب وزعيما قاسيا ومصلحا قادرا على تحقيق التغيير، لأنه لم يعد هناك ما يكفي من المال لطمس التصدعات والشقوق التي تعاني منها بلاده.
وأضاف أن ولي العهد ربما كان يعتقد أنه يستطيع إنقاذ وتجديد بيت آل سعود عندما يموت والده (الملك) لكن طموحه المفرط سينتهي به، بدلاً من ذلك، إلى تهميش المملكة.
وأكد بويز أن خطة بن سلمان ستتمحور حول إنشاء قاعدة نفوذ مستقلة قبل وفاة والده، وأنه سيعمل على إظهار قوته لأعداء المملكة لا سيما إيران. كما سيسعى إلى أن تكون جميع الإصلاحات المحلية وفقا لرغبته وليست نتاج الضغط الشعبي.
وتشهد المملكة فراغا قياديا غير مسبوقا، في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها منذ عقود، فيما تسود حالة من الاستياء الشعبي إزاء مضاعفة الضرائب الحكومية ورفع العلاوات المالية.
وقالت صحيفة “ناشيونال بوست” الكندية: إن إخفاقات بن سلمان المتكررة جعلته أسوأ زعيم في العالم.