كشفت تقأرير أمريكي أن معتقلين في سجون نظام آل سعود بينهم أمراء في العائلة الحاكمة وحلفاء لهم يسعون للبحث عن تأثير في الولايات المتحدة لمواجهة ولي العهد محمد بن سلمان.
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير لها إن بعض المعتقلين يحاولون الحصول على خدمات جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة ممن لديها صلات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وبحسب الصحيفة فإن التحرك جاء بعد اتصال عدد من حلفاء الأمراء والسجناء مع شركات محاماة ومؤسسات ضغط وشركات علاقات عامة في الولايات المتحدة، للدفع باتجاه ما يرونه نهاية للقمع السياسي في المملكة.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التحرك جاء بعدما توصل السجناء ومن يمثلونهم إلى أنهم لن يحصلوا على الحرية من خلال مناشدة حكام بلدهم، معتبرة أن التطور غير العادي الذي سيقوم به الأمراء يهدد بالكشف علنا عن خلافات العائلة المالكة وانقساماتها، ويأتي في لحظة يواجه فيها بن سلمان تحديات كبرى.
وتؤكد صحف عالمية أن الديوان الملكي وجه رسالة واضحة لأمراء العائلة المالكة، باعتقاله شقيق الملك الأمير أحمد بن عبد العزيز وولي العهد السابق محمد بن نايف، مفادها أن الاعتقال مصير أي أمير لا يؤيد القيادة في البلاد.
ومطلع آذار/مارس الماضي أكدت تقارير دولية متطابقة أن بن سلمان وسع دائرة الاعتقالات لأمراء ومسئولين كبار وسط تصاعد مؤشرات التوتر داخل العائلة المالكة.
وكشفت صحف غربية عن تطورات جديدة في قضية اعتقال عدد من كبار الأمراء في المملكة، بعد يوم واحد من تسرب أخبار هذه الاعتقالات عبر صحف ووكالات غربية، في ظل صمت سعودي رسمي حول هذه التطورات الملفتة.
وأفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” -نقلا عن مصادر في الديوان الملكي السعودي- باتساع دائرة هذه الاعتقالات، التي طالت أبناء العائلة الحاكمة ومسؤولين حكوميين وعسكريين.
وقالت الصحيفة إن الاعتقالات شملت العشرات، وإنه تم استدعاء وزير الداخلية عبد العزيز بن سعود بن نايف، ووالده الأمير سعود بن نايف، أمير المنطقة الشرقية والابن الأكبر للأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد السعودي الأسبق؛ لاستجوابهما من قبل الديوان الملكي في ما يتعلق بالانقلاب المزعوم، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر.
وذكرت الصحيفة -نقلا عن مصادر- أن قوات الأمن اعتقلت العشرات من مسؤولي وزارة الداخلية وكبار ضباط الجيش، وغيرهم ممن يشتبه في دعمهم محاولة انقلاب.
وقالت المصادر التي تحدثت للصحيفة -ورفضت تقديم أي تفاصيل- إن كبار أفراد العائلة المالكة حصلوا على أدلة على “المؤامرة” التي جرى التحضير لها (الانقلاب المزعوم).
وتشير صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى أن ما سمتها حملة التطهير الأمني التي يقوم بها محمد بن سلمان تثير الرعب في جميع أنحاء المملكة.
وقالت إن محمد بن سلمان سعى بشكل حثيث على مدى السنوات الثلاث الماضية لتعزيز قبضته على السلطة؛ تحضيرا لتوليه عرش المملكة عند وفاة الملك سلمان، أو إذا قرر الأخير التنازل عن العرش.
وكانت صحيفتا “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” كشفتا عن أن السلطات اعتقلت الأميرين أحمد بن عبد العزيز شقيقِ العاهل السعودي، ومحمد بن نايف ولي ِالعهد السابق، وفتشت منزليهما، واعتقلت أيضا الأمير نواف بن نايف.
من جهتها، ذكرت وكالة رويترز العالمية للأنباء أن احتجاز الأمراء الثلاثة البارزين جاء بدعوى التخطيط لانقلاب حسب ما ذكرته مصادر مطلعة على الأمر.
وقال مصدر إقليمي إن بن سلمان “اتهمهم بإجراء اتصالات مع قوى أجنبية، منها الأميركيون وغيرهم، لتنفيذ انقلاب”.
وأضاف “عزز محمد بن سلمان بهذه الاعتقالات قبضته على السلطة بالكامل. انتهى الأمر بعملية التطهير هذه”. مشيرا إلى أنه لم يعد أمامه الآن أي منافسين يمكن أن يعترضوا على اعتلائه العرش.
وصرح مصدر آخر بأن الأمراء متهمون “بالخيانة”. وقال مصدر ثالث إنهم كانوا يناقشون تنفيذ انقلاب بدعم من قبائل نافذة، لكن تلك النقاشات لم تصل لمرحلة متقدمة.
ولم يتضح مكان احتجاز الأمراء الثلاثة، وما من سبيل للتواصل معهم للتعليق على ما قيل عن التخطيط لانقلاب، فيما أكد مصدر كبير في المملكة أنه “لا بد من التعامل معهم باحترام”، مشيرا إلى مكانتهم داخل الأسرة.
وذكر المصدر الإقليمي أن الملك سلمان وافق على تلك الخطوة، مضيفا أن الملك يتمتع بحالة عقلية ونفسية جيدة.
واجتمع الملك (84 عاما) مع وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب الخميس الماضي في العاصمة السعودية الرياض، وحضر هو وولي العهد اجتماعا لمجلس الوزراء يوم الثلاثاء.
وأثار الأمير محمد بن سلمان (34 عاما) استياء بين بعض الفروع البارزة للأسرة الحاكمة بسبب تشديد قبضته على السلطة.
وذكرت مصادر أن بعض منتقديه شككوا في قدرته على قيادة البلاد بعد أن قتلت عناصر سعودية الصحفي البارز جمال خاشقجي بقنصلية المملكة في إسطنبول عام 2018، وبعد أكبر هجوم على البنية التحتية النفطية بالمملكة، الذي وقع العام الماضي.
وقالت المصادر إن أفرادا من الأسرة المالكة يسعون لتغيير ترتيب ولاية العرش، ويعتبرون الأمير أحمد، شقيق الملك سلمان الأصغر وشقيقه الوحيد الباقي على قيد الحياة، خيارا ممكنا قد يحظى بدعم أفراد الأسرة والأجهزة الأمنية وبعض القوى الغربية.
وبشأن خلفيات الاعتقالات الجارية؛ يقول ستيفن هيرتوج من كلية لندن للاقتصاد إن احتجاز الأمراء يمثل تذكِرة للأسرة الحاكمة “بعدم تخطي ولي العهد بأي شكل من الأشكال. ليس من المرجح أن يكون مخططا كبيرا ومعقدا لتغيير القيادة في السعودية، فكل الشخصيات المحتجزة لم تعد لديها قدرة تذكر على الوصول لموارد الدولة”.
ونقلت “أسوشيتدت برس” عن مصدر سعودي مطلع قوله إن الاعتقالات جاءت إنذارا إلى جميع أفراد العائلة المالكة من الذين يشعرون بأنهم محرومون من حقهم، بالتوقف عن التذمر وبدء دعم القيادة، مضيفا أنه إذا أمكن القبض على الأمير أحمد بن عبد العزيز فإن أي أمير يمكن أن يكون عرضة للاعتقال.
ووفق المصدر، فإن اعتقال الأميرين أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف جاء بعد تراكم سلوك كان مستفزا للقيادة السعودية.
وأشار المصدر إلى أن الأمير أحمد بن عبد العزيز تذمر مؤخرا من قرار إغلاق الحرم المكي بهدف منع انتشار فيروس كورونا.
من جهته أكد رئيس الحركة الإسلامية للإصلاح الدكتور سعد الفقيه أن اعتقال الأمير أحمد بن عبد العزيز تحديدا يعتبر حدثا كبيرا ومفاجئا، “ولن يمر مرور الكرام داخل العائلة”، لأنه يعتبر “عميد” الأسرة الحاكمة وذو مصداقية كبيرة، ويدين له العديد من شيوخ القبال بالولاء، مرجحا أن يعود “تجرؤ” ولي العهد محمد بن سلمان على اعتقاله إلى سبب جلل مثل وفاة الملك سلمان.
وأرجع الفقيه صمت أمراء آل سعود على تصرفات محمد بن سلمان “احتراما لمقام والده”، مشددا على أن هذا الصمت لن يدوم، وأنهم قادرون على الضغط على ولي العهد وضرب مصداقيته بطرق مختلفة، أبسطها بالتغريد على منصات التواصل.
كما لم يستبعد حدوث ردة فعل قوية من بعض الأمراء ضد محمد بن سلمان من خلال إصدارهم بيانات مناهضة له وتحريك من يوالونهم في الجيش وشيوخ القبائل.
وأشار الفقيه إلى أن التسريبات من مصادر مطلعة بالرياض تعيد سبب حملة الاعتقالات الأخيرة إلى وفاة الملك سلمان بن عبد العزيز بشكل مفاجئ، الأمر الذي أدى إلى ارتباك ولي العهد فبادر باعتقال أبرز الأمراء الذين يخشى معارضتهم لسياسته، ويطعنون في شرعية توليه الحكم.
ورأى الفقيه أن عدم صدور أي تعليق من قبل السلطات على اعتقال الأمراء، دليل واضح على وجود ارتباك كبير داخل الأسرة الملكية، معتبرا أن هذا الصمت الرسمي فتح الأبواب على مصراعيها للتخمينات والاحتمالات مثل حدوث محاولة انقلابية أو وفاة الملك سلمان.