يسعى نظام آل سعود إلى الانخراط في الاستراتيجية العسكرية الفرنسية في دول أفريقيا ومنطقة الساحل تحديداً بزعم محاربة الإرهاب وذلك خدمة لمؤامراته في التوسع وكسب النفوذ.
وذكرت تقارير دبلوماسية غربية أن ولي العهد “محمد بن سلمان” يخطط لعقد قمة في الرياض تضم رؤساء دول مجموعة الساحل الخماسية أو “G5 Sahel”.
وتضم مجموعة الساحل، كلا من موريتانيا والنيجر ومالي وتشاد وبركينا فاسو، ويقول الكاتب إن حصول مثل هذا الانخراط السعودي لا يخلو من خطر؛ كون تلك القوة الخماسية “نشأت عن فكر عسكري لتكون واجهة للتوسع العسكري الفرنسي في دول الصحراء الكبرى؛ لحماية المصالح والاستثمارات الفرنسية”.
وتدخلت فرنسا في تلك الدول عسكريا، بعد تكرار اختطاف خبرائها التعدينيين بدءاً من سبتمبر/أيلول 2010 من مواقع استغلال اليورانيوم شمالي النيجر؛ وشنت عملية عسكرية بعد انقلاب مالي في 22 مارس/آذار 2012 تحت غطاء قرار لمجلس الأمن الدولي بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 2012.
وجاء تدخل فرنسا بدعوى محاربة المقاتلين “الإسلاميين” في الساحل، وهو القرار الذي لا يتضمن أي بند يتعلق بمراقبة التدخل العسكري الفرنسي خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان أو معاملة المدنيين.
ومن اللافت أن هؤلاء الإسلاميين ومعهم نخبة من المثقفين ممن لا ينتمون لأي تيار إسلامي، يرفضون من منطلق إسلامي ووطني، النهب الفرنسي المنظم منذ ما قبل ستينيات القرن الماضي، حيث تستغل باريس الموارد التعدينية بالنيجر (اليورانيوم) والذهب (بمالي) بثمن بخس، وكذلك الحال مع كل الدول التي سبق للفرنسيين استعمارها بأفريقيا.
بالرغم من دعم دول خليجية مثل الإمارات التي قدمت 30 مليون يورو لقوة الساحل الأفريقي الذي ترعاه فرنسا، وقطر التي اكتفت بتقديم 30 مدرعة، فإن الرياض لم تكترث باتساع الجبهة التي تهدد أمنها القومي مباشرة بعد تورطها بحرب اليمن، فقررت دعم الاستراتيجية العسكرية الفرنسية بأفريقيا.
حيث أعلن وزير خارجيتها السابق “عادل الجبير” عبر صحيفة “لوموند” الفرنسية بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 2017، أن بلاده تعهدت بالمساهمة في تمويل قوة الساحل الخماسية بمبلغ 118 مليون دولار، قائلا: “إن قتال الإرهابيين والمتطرفين بلا أدني تسامح، من أولوياتنا”.
وبالمقاييس المنطقية ليس هناك مبرر يدفع بالمملكة المقبلة على تجرع هزيمة عسكرية في أهم دوائر أمنها القومي (أي اليمن)، للتطوع لدعم قوة دولية كفرنسا في أحد دوائر أمنها القومي، خاصة وأن منطقة الساحل للرياض (ولا للإمارات) لم تكن دائرة أمن قومي ولن تكون إلا إذا كان هناك مقابل، هذا المقابل ربما يكون تدريجيا أو على دفعات.
ويستدل على نية المملكة تصعيد الاهتمام بمنطقة الساحل الأفريقي، بعقد قمة تجمعهم بالرياض، “النتيجة النهائية المحتملة لها –في حالة عقدها– إعلان سعودي عن تمويل ضخم للقوة يُسر به قلب فرنسا ورؤساء دول هذه القوة، التي لا تخرج كثيرا عن معنى الحملات التي كان يدعم بها رؤساء الطوائف بالأندلس ملوك نصارى الأندلس قبل انهيار دولة العرب”.
ويحاول نظام آل سعود إيجاد بديل عن تقليص جهودها الدعوية في أفريقيا مثل إنشاء المساجد بربوعها والحد من المنظمات الإسلامية غير الحكومية التي كانت تنتشر هناك، حيث بات الجهد السعودي يقتصر على منح مالية قليلة وعلى أساس انتقائي لبعض الدول الأفريقية.
إذ أن تراجع توجه المملكة دعويا، برز بعد انهيار برجي التجارة في نيويورك 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث وجهت للمملكة سيل اتهامات عن مسؤولية منظومتها الدينية متمثلة في “المذهب الوهابي” عن مثل تلك الهجمات.
أما ثاني أسباب الانخراط السعودي في أفريقيا، فهو فسح مجال لتفريغ فائض المكانة التي اكتسبتها المؤسسة العسكرية السعودية من حرب اليمن بعد عدم تحقيقها أي انتصار ولو محدود هناك، بالإضافة للجدية التي تبدو جلية للمملكة (كحالة الإمارات) في إقامة قواعد عسكرية لها في الصومال وجيبوتي وإريتريا.
ثالث الأسباب، يتمثل في أن نظام آل سعود يحاول تشتيت الانتباه عن القضايا “التي باتت سيفا مسلطا على رقبة النظام الملكي برمته”، مثل إثارة قضية تورطها بهجمات 11 سبتمبر/أيلول، أو الاغتيال المروع للصحفي “جمال خاشقجي” في قنصليتها.
حيث يسعى النظام لغض بصر عواصم القوى الدولية الكبرى (ومنها باريس) عن تلك القضايا، نظير الاهتمام بما تطلبه سواء أكان ذلك مشتريات أسلحة تكدس، أو مشروعات اقتصادية غير ذات أولوية، أو تجاهل المملكة اتخاذ مواقف حاسمة إزاء قضايا تضر “الأمن القومي الإسلامي والعربي”، مثل اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، أوما يُثار عن تطبيع سعودي، أو قضية الإيجور في الصين وغيرها من القضايا.
والتمويل السعودي والإماراتي للقوة الخماسية للساحل، “عبارة عن مقايضة لاستمرار الحصول على التغطية العسكرية/الأمنية لهذين النظامين المفرغين من عوامل القوة العسكرية الاحترافية الذاتية، فهذه التغطية هي المظلة الأمنية الفرنسية والأمريكية الممتدة من قواعدهما بمنطقة الساحل حتى شواطئ الخليج العربي المواجهة للشواطئ الإيرانية، حيث التهديد الذي تعمل قوتان من بين كل القوى الدولية الأخرى على صناعة أسبابه واستزراعها”.
ويرى مراقبون أن مضي المملكة في الانخراط في قوة الساحل الخماسية تعني ببساطة أنها قبلت بقلب أبيض المعلومات والمفاهيم الفرنسية/الأمريكية عما يجري في منطقتي الساحل والصحراء، بما فيها مسألة الإرهاب.
فالإرهاب منتج غربي نمطي منذ زمن الاستعمار، لذلك فإن تسليم المملكة بهذه المعلومات والمفاهيم ستدفع مقابله غاليا، فمقابله الهوية وهي حماية مضمونة، أما الحماية العسكرية فهي عرض زائل يعرضه تاجر فاقد السمعة والذمة.