سخر الكاتب السوري أحمد عمر من الإهمال والتقصير الذي رافق موسم الحج المنصرم تحت عهد آل سعود حتى وصفه بأنه “أسعد أيام إبليس”.
وجاء في مقال لعمر “انتبه حاج وحيد أوحد، من بين مليوني حاج أو أكثر، إلى ترجمة الجمرات على كيس الجمرات بالإنتراكس، وهو داعية إسلامي، وكان قسّاً مبشراً سابقاً، أو أنَّ آخرين انتبهوا فسكتوا، كسلاً أو تقوى، فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وقد دفعته غيرته على دينه إلى بثِّ فيديو على “يوتيوب”، موضحاً للناس أنَّ أسماء المناسك لا تترجم، مثل أيام التشريق وزمزم… سوى أنَّ الاسم الجديد والمترجم، حسب الشيخ غوغل، منكرٌ، ويثير الرعب والضحك معاً، وقد يدفع الحاج إلى تجنّب ركن من أركان الحج وهو الإنتراكس، رأفة بإبليس المسكين الذي ينال عشرات الملايين من الرجوم، حتى لو كانت بحجم الحمّص، وذكَّر بأن إدارة الحج لا تترجم الأسماء العربية للمناسك عادة، فما الذي استجدّ؟
أظنُّ أنه لا علاقة للأمر بوقوف السعودية مع الصين في حربها على المسلمين الأويغور، مع أنَّ أميركا والأمم المتحدة تناصران الأويغور، ولا بنصرة السعودية الهند “المشركة” في حربها على كشمير المسلمة، وعلى باكستان حليفة السعودية المسلمة، ولا علاقة للترجمة بعناق عبد اللطيف الشيخ امرأة مسلمة من نيوزيلندا، قضى زوجها في واقعة “كرايست تشيرتش” الإرهابية، تعزيةً لها. وكان عناق وزير الشؤون الإسلامية لها مجازفةً في السعودية، ولعله كان يقلّد رئيسة وزراء نيوزيلندا. ومؤكّد أنه لن يجرؤ على عناق امرأة سعودية، ولو عزّاها بالدخول إلى جوف الكعبة، كما أدخلوا المستشار في الحشد الشعبي، سامي المسعودي، لكان أولى، أو إخلاء الصحن النبوي لها لالتقاط صورة، كما أخلي للتقيات الثلاث، يسرا وإلهام شاهين وهالة سرحان، لكان أولى فأولى. ولا علاقة للجمرة الخبيثة بتصوير حصن خيبر، وهي من آثار اليهود المحفوظة والمحصّنة برموش العين، وقد دمّرت آثار النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يبق سوى قبره. وقيل إنه لولا الخوف من غضب الناس، لدمّروا القبر أيضاً، حرصاً على التوحيد المطلق، وخوفاً من الشرك كما يقولون. ولا علاقة للإنتراكس بنكتة شائعة نقلت عن حاجّ عند عودته إلى وطنه آسِفا أنه ضرب “ستون” على إبليس.
الحجاج لا تهمهم التسمية، ما يهمهم أداء هذا الركن العسير، والذي لا يُتاح للمرء إلا مرة واحدة في العمر سوى المقتدرين، فالمهم أنّ القرعة وقعت على المصطفين من غير غش، وأنهم بلغوا الديار المقدسة، وحجّوا، بل إنَّ كثيرين منهم يرجون أن يقضوا فيها ويدفنوا، فهم بين الرجاء والخوف، فهل هو خطأ وقع في بلادٍ تشرف حكومتها على الحج منذ مئات السنين، ويدرّ عليها الحج أموالاً طائلة، ويحجّ إليها حجاج من كل فجٍّ عميق، ومن مختلف الأمم، أم إن وراء الجمرة ما وراءها؟
والحاج هو الداعية البريطاني، يوسف استس. وكانت السعودية التي شرفها الله بالإشراف على الحج، رعايةً ومنعاً وسماحاً وقرعةً، وبطاقات حجّ تهدى إلى برلماني عبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر، وتمنع عنها شعوب وقبائل، قد ذكّرتنا ببلدية عربية ترجمت دورة المياه إلى “كورس المياه”. وليست المشكلة في الترجمة وحدها، فالعرب باتوا يجهلون لغتهم، والأمثلة بالمئات. والذين يخلطون فيها إعلاميون، وليسوا من العامّة. ونرى أحياناً حجّاجاً متحمسين يرجمون إبليس بالمقاليع، وربما فَهِم أمثال هؤلاء أنَّ خادم الحرمين الشريفين يريد أن يُصاب الشيطان بالجمرة الخبيثة، بدلاً من تلك الحصى الصغيرة. أمّا الذين يصطادون في المياه العكرة، والصيد سهلٌ فيها، لأن السمك يحاول الهرب إلى اليابسة، فهي أرحم من المياه الطينية، وتلك جمرة خبيثة بالغيب، لأن الحج يدرّ الملايين على خادم الحرمين الشريفين، ولا علامات تدلّ على أنه يتضايق من الكعبة التي تمنع البلاد من التحديث والتطوير، لا سمح الله. وقد حُدّثت الكعبة كثيراً، وطوّرت، وصغرت أمام العمارات الشاهقة، وأكثر مناسك الحج تحديثاً هي جمرة الإنتراكس، فكانت نصباً ثم صارت حائطاً، وجمعت السعودية الجمار في كيسٍ يوزع مثل السكاكر والملبس في الأعراس، فهو عرس إبليس.
لا علاقة لذلك كله بالجمرة الخبيثة، أو بالزهايمر، ولا شبه لها بالتي نقضت غزلها بعد قوة أنكاثا، ولا بجريمة القنصلية، ولا بالرافعة التي سقطت على الحجاج فقتلت عشرات وأعطبت مئات… ولا يذهبنَّ الظنُّ بكم إلى تشجيع إدارة الحجِ، الحج إلى القدس، أي إلى التطبيع، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.