يجمع مراقبون على أن إقدام ولي العهد محمد بن سلمان على شن حملة الاعتقالات لكبار الأمراء وضباط ومسئولين مؤخرا يعبر عن أزمة مصير يشعر بها إزاء فرصه في تولي العرض بعد والده.
طالت حملة الاعتقالات التي أمر بها بن سلمان شخصيات بارزة من آل سعود، شملت بالخصوص وزير الداخلية الأسبق عمّه أحمد بن عبد العزيز، وأبن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف.
وقد أثار الأمر ضجّة إعلامية كبيرة قادتها كبريات الصحف الأميركية، وفي مقدمتها وول ستريت جورنال التي كشفت المسألة، ونشرت تفاصيل تتعلق بالخلفيات والتوقيت.
واعتبرت أغلبية وسائل الإعلام أن توقيت العملية مهم جدا، ويشكل نصف الإجابة، كونه يتعلق بقطع الطريق على تشكل تكتلات ضده من داخل الأجنحة المتضررة في العائلة (أولاد عبدالله، أولاد سلطان، أولاد فهد، أولاد نايف .. إلخ)، والتي تمتلك عمقا وامتدادات كثيرة داخل المجتمع السعودي.
يعتقد المراقبون أن بن سلمان يريد استباق أي أمر مفاجئ في طريق خلافة والده، وهذه مسألة حسّاسة تتعلق في جانبها الأول بصحة والده، الملك سلمان البالغ 85 عاما، والذي لم يعد يظهر على الملأ إلا بشكل متقطع وقليل ولوقت قصير جدا.
ويتعلق الجانب الثاني بتخوف محمد بن سلمان من عدم قدرته على فرض نفسه في غياب والده، ولذا يريد أن يصعد إلى العرش في حضوره، ما يسهّل أمامه العقبات بسبب سطوة والده، وقدرته على التأثير في الأوساط التقليدية، الدينية والقبلية التي لا يحظى بن سلمان بشعبية في داخلها.
ويكشف مستوى المعتقلين السعوديين عن الحالة الحرجة التي يعيشها بن سلمان، وهذا يذكي الاعتراضات التي صاحبت تخويله ولاية العهد، داخل الأسرة الحاكمة نفسها، وسعيه إلى إزاحة المنافسين له على العرش، في وقت تحدّثت وكالة “بلومبيرغ” عن مخطّط للانقلاب في المملكة.
مما يرجّح خطورة هذه الاعتقالات ودلالاته على مخاوف جِدِّيَّة من تمرُّد، أو انقلاب، طبيعةُ المنصب الذي تولاه كلٌّ مِن الأميرين، أحمد بن عبد العزيز ومحمد بن نايف؛ منصب وزير “وهو منصب قويٌّ يتولَّى الإشراف على القوَّات، وجهاز المخابرات السعودي”، بتعبير “وول ستريت جورنال”، وإنْ كانت مكانتهما تضاءلت في العائلة المالكة، في السنوات القليلة الماضية، مع تثبيت الملك سلمان ابنه محمد بن سلمان، وليّاً للعهد و”الحاكم الفعلي” للمملكة؛ ما يعني أن بن سلمان يحاول استباق تنازل والده الملك سلمان عن العرش، ليزيح منافسين له على العرش.
قد ينجح محمد بن سلمان، بما يملكه من سلطة، أو بالدعم الأميركي، (وليس بلا ثمن) في تثبيت نفسه ملكاً للسعودية، وقد لا ينجح.
وحتى في حال نجح، فإن مثل هذا (النجاح) سيكون قلقاً، بعد أن لم تقتصر المعارضة على أوساطٍ في الشعب السعودي، ومنهم العلماء والمشايخ الذين يُزَجُّون في السجون، قلقاً بهذه الخطوة من الاعتقالات الجديدة من المقرّبين من الأمراء، وهم ليسوا، بالتأكيد، بلا أنصار، أو متعاطفين، فلكل فعل ردّة فعل؛ من مراكمة الامتعاض، ونقصان الثقة، بهذا الإيصال المُقْحَم، والقائم على الإكراه، لمحمد بن سلمان، إلى الحكم.
ويتجلَّى هذا في تجاوز محمد بن نايف الذي “كان قيد الإقامة الجبرية، منذ تم إقصاؤه من ولاية العهد لصالح ولي العهد الحالي، محمد بن سلمان، في عام 2017″، كما تذكر “نيويورك تايمز”. ومحمد بن نايف هو الشخصية التي كانت ستكون أكثر قبولاً لدى الأسرة الحاكمة، وغيرها، تراتبيّاً، بحكم الخبرة والتجربة ولاعتبارات السنّ.
وقد ظهرت سماتٌ من شخصية محمد بن سلمان في حرقه المراحل؛ بخطواتٍ تثير جدلاً غير هيِّن في الأوساط الاجتماعية، في موضوعة الانفتاح، مخلخلاً بذلك ما بُنيت عليه المملكة؛ من مفاهيم دينية جرى تأصيلُها، على مدى عقود. كما في استسهال توريط المملكة في حرب اليمن التي استنزفت غير قليلٍ من الخسائر المالية، وغير ذلك من مشروعاتٍ اقتصاديةٍ أقرب إلى المجازفة، وأبعد عن التحقق والإنتاج الفعلي.
وفي طريقه إلى اعتلاء العرش، يعمل بن سلمان على إبعاد كل من يجد لديه الأهلية للمنصب، وخصوصا أولئك الذين كانوا في طابور الانتظار، مثل عمه الأمير أحمد، بوصفه صاحب الحق في المنصب بعد سلمان، حسب التراتب الذي وضعه الأب عبد العزيز، وجرى العمل به حتى كسر سلمان القاعدة، ونقل الملكية نحو الجيل الثاني، وعين محمد بن نايف وليا للعهد، وبعدها أعفاه وأحلّ نجله محمد في المنصب.
ويهدف بن سلمان، في المقام الثاني، إلى إسكات أي تململ سياسي داخل الأسرة وخارجها، يمكن أن يقود إلى نشوء تكتل سياسي واسع، باتت الساحة مهيأة له بسبب تراكم أخطاء بن سلمان.
لا يخلو كشف الصحافة الأميركية حملة الاعتقالات من دلالة، خصوصا أن مصادر عزت سبب الاعتقالات إلى اتصالاتٍ أجرتها الشخصيات التي تم اعتقالها بأوساط أميركية رسمية، والتشاور بصدد إزاحة بن سلمان.
وهناك رواية أخرى جرى تداولها، تقول إن الإدارة الأميركية هي من تواصل مع هذه الشخصيات، من أجل التشاور حول إحداث تغيير في المملكة، وهذا ما أغضب بن سلمان.
والدرس الذي يمكن استخلاصه هنا أن بن سلمان قد ينجح في إخماد الاحتجاجات التي تظهر بين وقت وآخر من داخل الأسرة، ولكنه لن يتمكّن من قطع دابرها نهائيا، وستظل تعود كلما أوغل في الأخطاء، وزادت الكراهية التي يحظى بها من قطاعٍ من المجتمع السعودي لم يحسب بن سلمان حسابه، وهو مجتمعٌ يبدو أنه لم يتقبل ولي العهد وإنْ كان يبدي له طاعة.
وهناك إجماع عالمي على أن بن سلمان يثير الرعب في السعودية التي تعيش حالةً من الخوف لم يشهدها السعوديون من قبل، حيث وضع نظاما أمنيا بوليسيا شبيها بنظام بشار الأسد، وباتت السجون تكتظ بمئات من الدعاة وعلماء الدين والمثقفين وقادة الرأي، كما فرض على الآلاف منع السفر وإجراء مراجعات دائمة لأجهزة الأمن، وهذا جو جديد لم تعهده المملكة من قبل، حيث كان النظام القائم على هامشٍ من الحريات الفردية يترك متنفسا عاما انعكس في السجالات العامة، وعلى صفحات الصحف، ومن خلال النتاج الثقافي الذي برز بقوة على الساحة العربية في العقد الأخير.