من المقرر بدء بيع أسهم شركة أرامكو الحكومية النفطية في العالم في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، في وقت تهدد فيه التقييمات العالية والمخاطر على السمعة إمكانية نجاح خطة الاكتتاب.
وقد تعرض أرامكو بين واحد واثنين في المائة من أسهمها، لتجمع ما بين 20 و40 مليار دولار، وستتجاوز عملية حجمها أكثر من 25 مليار دولار الطرح العام الأولي القياسي لعملاق التجزئة الصينية علي بابا ببورصة نيويورك في 2014.
وسيكون الإدراج الوشيك لحظة محورية لبورصة تداول في المملكة التي توصف بأنها شابة وغير مختبرة. وتقول بورصة “تداول” إنها تستعد منذ سنوات وهي جاهزة لبيع الأسهم الذي طال انتظاره في الأسابيع المقبلة، لكن استضافة ما قد يكون أكبر طرح عام أولي في التاريخ تمثل قفزة ضخمة إلى نادي الكبار لبورصة وُلدت قبل 12 عاما ولم يُسمح للمستثمرين الأجانب بدخولها إلا منذ أربع سنوات.
وللطروح الأولية العملاقة سجل تاريخي من التسبب في أعطال فنية بأسواق الأسهم، حيث قد تفضي إلى صعود حاد في أوامر التداول قادر على إغراق نظام البورصة ومنع المستثمرين من شراء الأسهم أو بيعها.
وعلى سبيل المثال، شاب إدراج “فيسبوك” في ناسداك عام 2012 تأخيرات واسعة النطاق ومشاكل في معالجة حجم الأوامر الضخم.
وكان ذاك طرحا أوليا أصغر من المتوقع لـ”أرامكو”، وفي بورصة شهيرة بخبرة تتجاوز الأربعة عقود؛ ويستضيف المؤشر ناسداك المجمع اليوم أسهما تتجاوز قيمتها 13 تريليون دولار، وفقا لبيانات رفينيتيف، أي نحو 27 مثل قيمة أسهم تداول البالغة حوالي 500 مليار دولار.
مصداقية تداول في خطر
يقول خبراء القطاع المالي لوكالة رويترز العالمية إن أي مشاكل فنية أو في السيولة قد تطيح بمصداقية “تداول”. وتنقل الوكالة عن سبنسر ميندلين، المحلل لدى مجموعة أيتي، قوله: “تحتاج إلى امتلاك تكنولوجيا موثوقة حقا لكي تستوعب الطفرة المتوقعة من طرح عام أولي رفيع المستوى”.
ويضيف أنه بالنسبة لبورصة في سوق ناشئة مثل السعودية، يمكن القول إن طرح أرامكو يحمل معه مخاطر أكبر منه بالنسبة لبورصة في بلد يملك أسواق مال ذات بنية تحتية أكثر تطورا، لأن الطرح الأولي سيحدد إيقاع السوق.
واستحدثت هيئة السوق المالية في المملكة العام الماضي آلية استقرار سعري، للحيلولة دون تراجعات كبيرة في أسهم الشركات المدرجة حديثا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن عدم التيقن الذي يلف قدرة البورصة على استيعاب الإدراج الضخم، يمثل مبعث خطر محتمل آخر للمستثمرين الذين أثار قلقهم بالفعل هجوم سبتمبر/ أيلول على منشأتين لـ”أرامكو” والذي سلط الضوء على المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بشركة النفط الوطنية.
ويقول بعض المستشارين العاملين على الطرح الأولي، إن قدرة سوق الأسهم السعودية على تولي الصفقة كانت أحد الأسئلة الرئيسية التي يسألها المستثمرون.
وقال مصرفي “يسألون عن هوية المستثمرين الرئيسيين، وهل توجد سيولة في السوق، وكم سيبلغ حجم الاستدانة، وهل ثمة مخاطر محتملة من طلبات التغطية؟”.
وتبدي بورصة المملكة تفاؤلا، حيث قال رئيسها خالد الحصان هذا الشهر إنها “مستعدة لاستقبال أضخم إدراج في تاريخ أسواق المال”.
لكن أرامكو نفسها حذرت من أن العملية قد تعطل حركة التداول في البورصة، التي كان حجم أكبر إدراج فيها حتى الآن ستة مليارات دولار.
وقالت الشركة في نشرة الإصدار إن التغييرات الحديثة على آليات التداول، لتطوير المنصة واستيفاء المعايير العالمية، لم تخضع للتجربة “ولا تضمن الشركة أن تلك الإجراءات ستساعد في تيسير حجم التداول العالي المتوقع في الأسهم”.
وقالت النشرة إن التغييرات تقلص الفترة الزمنية بين تسعير أسهم الشركة وبيعها ثم السماح بتداولها، بما قد يؤخر الإدراج.
وشهد العامان الأخيران انضمام عدة بنوك استثمار رئيسية إلى البورصة كأعضاء، مثل غولدمان ساكس وسيتي، بما يسمح لها بمزاولة أنشطة الوساطة المالية والتداول هناك، الأمر الذي يتيح مزيدا من منافذ التداول للمستثمرين.
وحجم التداول في السوق ضعيف منذ بداية العام الحالي، ففي 2015، عندما بدأت الصناديق الأجنبية شراء الأسهم السعودية، كان متوسط قيمة التداولات اليومية 1.8 مليار دولار.
لكن بعد تراجع للأسهم السعودية في أكتوبر/ تشرين الأول 2018 عقب اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، تناقص الحجم، ليبلغ المتوسط اليومي 900 مليون دولار في 2019.
وتفاديا لانزلاق البورصة في نوبة أوامر بيع عقب الطرح الأولي، تستهدف الشركات قيد الإدراج عادة ارتدادة عند بدء تداولها يعقبها تداول مستقر نسبيا، وتعتزم أرامكو تقديم أسهم مجانية للمستثمرين الأفراد السعوديين الذين يحتفظون بالسهم لستة أشهر.
ويقول المستثمرون الأفراد، الذين بوسعهم اقتناص ما يصل إلى ربع الأسهم المعروضة للبيع، إنهم يستعدون منذ شهور عن طريق ادخار المال وبيع قطع الأرض والتخارج من أسهم أخرى.
وقد يصبح سلوكهم عنصرا حاسما في تحديد طريقة تداول السهم إذ ما زال من غير الواضح حجم الصناديق الأجنبية التي ستشارك في الإدراج.
كان دخول المملكة على مؤشر “ام.اس.سي.آي” للأسواق الناشئة هذا العام أخفق في جذب صناديق الأسواق الناشئة النشطة بسبب التقييمات العالية والمخاطر على السمعة، بحسب ما أظهره تحليل من كوبلي لأبحاث الصناديق.
وعزا ستيفن هولدن الرئيس التنفيذي لكوبلي أحد أسباب نأي المستثمرين بأنفسهم إلى اغتيال خاشقجي، لكنه أضاف: “الانخفاض الهائل للوزن النسبي يشير بالفعل إلى ذخيرة وفيرة غير مستغلة في محافظ الأسواق الناشئة يمكن استخدامها في أرامكو”.