آل سعود أداة أمريكية رئيسية لإبقاء المنطقة العربية مشتعلة

تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية نظام آل سعود أداة رئيسية في مخططاتها لإبقاء المنطقة العربية مشتعلة تسيطر عليها الفوضى والتخريب.
وهذا الأمر لا يعد جديدا إذ أن العصر الحديث شاهد في محطاته المفصلية على دور مشبوه أداه آل سعود خطة للمخططات الأمريكية لضمان نفوذ واشنطن من جهة وتعزيز أمن إسرائيل من جهة أخرى.
ومنذ انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) الاي انتهت بسقوط إمبراطوريات أبرزها الإمبراطورية العثمانية التي كانت تمثل “الخلافة الإسلامية”، وكانت منطقة العالم العربي بطبيعة الحال، تحت سيادتها، وكذا الإمبراطوريات الروسية والألمانية والنمساوية فيما بقيت الإمبراطورية البريطانية، ومعها فرنسا، بعد الانتصار في الحرب.
والأهم بدأ بزوغ نجم قوة عظمى جديدة على المسرح العالمي، هي الولايات المتحدة الأميركية، بعد دورها في دعم الحلفاء، ودخولها الحرب فعليا في 1917، والذي أدى إلى تحقيق النصر، وهو ما أدى إلى إعادة هيكلة أوروبا، وعقد مؤتمر السلام 1919، وإعادة هيكلة منطقة الشرق الأوسط، وهي التي تمثل الغنيمة الرئيسية بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، ليتقاسم كل من بريطانيا وفرنسا الهيمنة عليها، وكانت بريطانيا صاحبة النصيب الأكبر في تلك الغنيمة.
حتى ذلك الوقت، لم تكن أميركا تُعطى اهتماماً ملحوظاً بمنطقة الشرق الأوسط، وتقدم نفسها للعالم كراعية لحقوق الإنسان ولحريات الشعوب، وحقها في تقرير المصير، وهو ما عبر عنه إعلان الرئيس الأميركي، ويلسون، ومبادئه الأربعة عشر في مؤتمر السلام في باريس.
ما بين انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وتفجر الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، كانت الرياح قد جرت بما لا تشتهي السفن الأميركية، فقد نهضت ألمانيا النازية بقيادة هتلر، وتحالف مع إيطاليا الفاشية بقيادة موسوليني، وأقامت الثورة البلشفية في روسيا دولة الاتحاد السوفييتي الشيوعية. وهكذا اختلفت كل موازين القوى في أوروبا، بينما بقيت منطقة الشرق الأوسط تحت السيطرة الأنغلو-فرنسية.
وفي ظل تلك السيطرة، كانت الوكالة اليهودية العالمية تعمل، على قدم وساق، لإقامة الكيان الصهيوني، تمهيداً لإقامة الدولة العبرية (إسرائيل) على أرض فلسطين العربية. وأيضاً كان هناك أمر آخر يحدث في المنطقة، وهو بدء اكتشافات النفط على نطاق واسع في الجزيرة العربية، وهي الاكتشافات التي كانت تديرها شركات بريطانية.
هناك، إذاً، حدثان مهمان كانا يجريان في منطقة الشرق الأوسط: العمل على تأسيس دولة يهودية على الأرض الفلسطينية، واكتشافات النفط. ولم تكن أميركا بعيدة عنهما.
وبدأت الولايات المتحدة تقترب من منطقة الشرق الأوسط، على أعلى مستوى، مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها، عندما اجتمع الرئيس الأميركي، روزفلت، مع ملك السعودية عبد العزيز آل سعود، في اللقاء الشهير على الطراد الأميركي، يو إس إس كوينسي، يوم 14 فبراير/شباط 1945، في البحيرات المرّة في منطقة قناة السويس المصرية، ونوقش موضوعان فقط، تأسست عليهما العلاقات الأميركية – السعودية، الإستراتيچية الممتدة: مسألة النفط ودولة إسرائيل المزمع قيامها. وبدأت شركات البترول الأميركية تحل محل الشركات البريطانية تدريجياً.
انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 بانتصار الحلفاء انتصاراً حاسماً، حيث دخلت القوات السوفييتية برلين، وألقت أميركا قنابلها الذرية والنووية على هيروشيما وناغازاكي في اليابان.
لاحقا فإن العالم تغير من جديد، وظهرت قوتان عظميان، مثلتا القطبين العالميين، الولايات المتحدة، والتي انفردت بالقمة باعتبارها الدولة النووية الوحيدة حتى عام 1949، عندما نجح الاتحاد السوفييتي في إجراء أول تفجير نووي، واقتصر النادي النووي على القوتين العظميين هاتين، حتى لحقت بهما بريطانيا في 1952، ثم فرنسا في 1960، والصين في 1960، ولكن التغيير الأهم على الصعيد العالمي كان في انقسام العالم إلى معسكرين، غربي تقوده أميركا، ومعها حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وشرقي يقوده الاتحاد السوفييتي، ومعه حلف وارسو.
وشهد العالم حقبة امتدّت نحو نصف قرن، عُرفت بحقبة الحرب الباردة بين القوتين، حتى انهار الاتحاد السوفييتي، ومعسكره الشرقي، مع نهاية الألفية الثانية، وجرى ما جرى من تداعياتٍ لذلك الانهيار.
ماذا جرى لمنطقتنا، الشرق الأوسط؟ بدأ خروج بريطانيا وفرنسا من الشرق الأوسط، مع بداية الخمسينيات، ونجاح حركة الضباط الأحرار في مصر، وبداية حركات التحرّر الوطني في المنطقة، وبدأت أميركا تشعر بأن فراغاً قد يحدث في المنطقة، وذلك في عهد الرئيس أيزنهاور ووزير خارجيته دالاس.
وبالطبع، كانت هناك خشيةٌ من دخول الاتحاد السوفييتي، لملء ذلك الفراغ، خصوصا مع توجهات الرئيس جمال عبد الناصر في مصر.
وجاء تأسيس الحلف المركزي، المعروف بحلف بغداد، محاولة لملء ذلك الفراغ، ثم جاءت أزمة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر في 1956، ليضعا نهايةً لأي نفوذ أنغلو – فرنسي في المنطقة، وحاولت أميركا أن تقترب من مصر، مستغلة موقفها المعارض للعدوان. ولكن الوقت كان قد تأخر كثيراً، إذ توثقت العلاقات المصرية – السوفييتية، خصوصا في مجالات التسليح، والمجالات الاقتصادية والمشروعات الصناعية الكبرى.
شعرت أميركا بأن هناك خطراً حقيقياً يهدد مصالحها الرئيسية في المنطقة، والمتمثلة في الركيزتين، النفط في السعودية والحليف الإستراتيجي إسرائيل. والخطر قادم من مصر التي تسعى إلى بناء جيش حديث بمعاونة السوفييت، وتعلن أن هدفها تحرير فلسطين، بالإضافة إلى خروج مصر بجيشها خارج حدودها إلى اليمن حيث تقترب إلى حد التماس مع مصادر النفط في السعودية.
وكان لا بد لأميركا من التحرّك، وهو ما حدث في حرب الخامس من يونيو/حزيران 1967، حين وجهت إسرائيل، بدعم أميركي واضح، ضربة قاصمة، ليس فقط لمصر، بل امتدت لتشمل كل فلسطين التاريخية والأردن وسورية ولبنان، ولا تزال آثارها مستمرة.
توالت الأحداث بعد ذلك بشكل دراماتيكي: حروب الاستنزاف، فحرب أكتوبر 1973، فعملية السلام، فاتفاقية كامب ديفيد، فمعاهدات سلام، وعمليات تطبيع مع العدو الإسرائيلي. وبالطبع مع سقوط الاتحاد السوفييتي، وخروجه من معادلة الشرق الأوسط، حتى دخل العالم في الألفية الثالثة، ووقع الحدث الفارق في العام الأول منها، وهو حدث تفجيرات نيويورك وواشنطن في العام 2001، وأعقبه إعلان أميركا حربها العالمية على الإرهاب.
وشهد العالم حرب أفغانستان التي لم تتخلّص منها أميركا حتى اليوم، ثم حرب غزو العراق في 2003، ثم الاضطرابات، والفوضى التي عمت المنطقة، ولا تزال تتفاقم. وصاحبت تلك الفوضى عودة روسيا إلى معادلة الشرق الأوسط، ودخول قوتين إقليميتين كبريين أيضا إلى المعادلة، تركيا وإيران.
وفي تلك الأجواء المضطربة، ادّعت الإدارة الأميركية أن “أميركا غير معنية بالنفط في الشرق الأوسط، ما يعنيها حماية إسرائيل وأمنها”. وهذا تصريح مخادع، لسببين: أن الجميع يعرف أن إسرائيل تملك من القوة والقدرة والدعم ما يؤمن أمنها، ويحقق حمايتها، وخصوصا أنها تفتقد عدوا حقيقيا، بل أصبح هناك جوار حريص على أمنها. وأن مصادر النفط، وطرق إمداده، بل وأسعاره، تحت السيطرة الأميركية المباشرة.
إذاً، ماذا تريد أميركا من الشرق الأوسط؟ تريد الشرق الأوسط كما هو حالياً، في حالة فوضى عارمة، وعدم استقرار، واقتتال داخلي، وإشغال دولتيه الإقليميتين الكبيرتين، إيران وتركيا بمشكلاتٍ تبدو وجودية، وإشغال نظم دوله بالقلق على العروش وكراسي الحكم والصراع حولها. وهكذا تضمن عدم قيام كيانات مستقلة تملك إرادتها، وتتحكم في مقدّراتها، وتحافظ على الحقوق المشروعة لشعوبها المتمثلة في ثرواتها، وأرضها، ومقدّساتها، وهنا يبرز نموذج نظام آل سعود الذي يريد فقط الحفاظ على السلطة حتى لو كان مقابل ذلك تدمير كل الدول العربية كما ترغب واشنطن.