يقوض نظام آل سعود مكانة المملكة عربيا وإسلاميا بفعل جرائمه وانتهاكاته خاصة في ظل تبنيه نهجا يقوم على التهور والتدخل الإجرامي في عديد البلدان العربية.
وما قد يقع في المملكة ليس شأنا سعوديا فقط، إنما يؤثر على مستوى السياسة الخارجية، بل حتى في الخيارات الداخلية، له انعكاسات على محيطها الجغرافي والثقافي، وعلى السوق العالمية البترولية، ومن ثمة على الاقتصاد العالمي.
الوضع الاعتباري للمملكة باعتبارها حاضنة للأماكن المقدسة للمسلمين، وراعية لها، جعلها دوما محط اهتمام من قِبل المسلمين.
هذا الوضع الاعتباري الذي تحظى به كان يفرض عليها التزامات، فتشريفها من تكليفها. كان يُنظر للمملكة في العالم العربي والإسلامي، مهما اختلفت الرُّؤى حيالها، كأخ أكبر، إليها يفزع الفرقاء حين تتفرق بينهم السبل، لرأب الصدع ولمّ الشّعث.
الخيارات التي يتخذها الحكام، تدخل طبعا في دائرة السيادة، ومن الطبيعي أن تتغير الخيارات أمام تغير المعطيات وتداول الأجيال، إلا أنه ليس من الحكمة أن تنقلب توجهات بلد رأسا على عقب، وبشكل فجائي وألا تراعي ثوابته، وتهزأ بمسؤوليته، وأن تتخذ أسلوبا أرعن، أو تتسم بالتعالي أو الغطرسة. منذ مايو 2017، كانت الصورة التي سوّقها الإعلام الغربي، عن الحلة الجديدة للسعودية زاهية، غداة زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للرياض، وعُقدت مقارنات بين الأمير الشاب محمد بن سلمان والمصلح الصيني دينغكسياونغ بينغ، وكان مما قاله الصحافي الأمريكي توماس فريدمان، إنه لو لم يكن محمد بن سلمان، أو (م ب س)، بالحروف الأولى اللاتينية لوجب خلقه.
كانت الأنظار منصبة حينها على التحولات الجارية بالمملكة، وكان الكثير من الملاحظين لا يفضلون الخوض في الشأن الداخلي وأسلوب تدبيره، رغم ما كان يطبعه من تهور وحدة، إلا أنه كان من العسير على الكثيرين، ولو من أطراف نائية، أن يقبلوا بفرض الحصار على قطر، ضربا بعرض الحائط مؤسسة قائمة الذات، هي مجلس التعاون الخليجي لحل الخلافات، من داخله، بل رفض السعودية أي وساطة، والتحذير منها.
كان من العسير على الكثيرين أن يقبلوا بالحرب الجائرة المفروضة على جار ضعيف، هو اليمن، مع ما واكب تلك الحرب من صور الدمار لأطفال وفي مدارس، وتجويع، مما نقله الإعلام الغربي الذي لا يمكن نعته بالتحامل ضد السعودية.
وكان من العسير على الكثيرين أن يرووا المملكة تصطف مع مروجي “صفقة القرن” الأمريكية، وتتحلل من مسؤولياتها التاريخية والوجدانية حيال القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
كذلك كان من العسير الصمت على اختطاف صحافي، والقضاء عليه بالطريقة التي تمت، هو المرحوم جمال خاشقجي، مما لا يتطابق وتعاليم الإسلام، ولا مقتضيات المروءة العربية، ولا القيم الكونية.
كيف في أرض المملكة التي بزغت فيها قيم سامية، تُكْرم الجار، (والجار من يستجير ويطلب الحماية)، وتقوم على الوفاء بالعهد وعدم خفر الذمم، وتقديس حرمة الإنسان؟ كيف لهذا المروق أن يصدر من دولة مرجعيتها لا إله إلا الله محمد رسول الله ترصع بها علمها.
هل يمكن للمملكة أن تحلق وجناحاها يحملان الرصاص كما يقال في المثل الفرنسي؟ هل تستطيع أن تنجح في ما سماه البعض بريسترويكا، أو إعادة ترتيب البيت، وهي تحمل ثقل ملفات سياسية لا تسهم في تلميع صورة السعودية، منها تعاملها مع مواطنيها المعارضين، ومنها سياستها مع بعض دول الجوار، وكذا حلفاء قدامى في العالم العربي والإسلامي، أو مع أطراف غربية، كما حدث مع كندا.
لما أجرى الرئيس الأمريكي السابق أوباما حواره مع مجلة “أتلانتيك مانثلي”، في إبريل 2016 ، الذي انتقد فيه المملكة، كان مما أوردته الصحافة تصريح الأمير بندر بن سلطان مستشهدا بكيسنجر، من أن على دول العالم أن تَحذر من أعدائها، مرة، وعلى أصدقاء الولايات المتحدة أن يحذروا منها مرتين.
كان يظهر أن حكام الرياض قد أدركوا حينها أن الزمن غير الزمن، وأن السياق تغير، ولكن يبدو أن الذي استهواهم هو بريق الصورة، وخبراء العلاقات العامة في تلك الصفقة التي تمت بين المرشح ترامب، آنذاك، وبعض النافذين من المملكة.
ولم يكن من قبيل المصادفة أن تكون الوجهة الأولى لزيارة الرئيس ترامب هي المملكة في مايو 2017، مع ما رافق ذلك من صفقات ضخمة، وتماثل في الرؤى حول إيران. كان الرهان كله على أمريكا، أو على الأصح على الرئيس ترامب.
وجرت الرياح بما لم تشتهه سفينة التوجه الجديد للمملكة فاهتزت العلاقة مع واشنطن على إثر تداعيات قضية خاشقجي، بقي الرئيس الأمريكي وفيا للحلف، ولكنه حلف تتخلله شقوق وتصدعات، من الكونغرس، وفي وكالة الأمن، والصحافة، والرأي العام، لأن الرئيس ترامب ليس هو أمريكا.
تصدع تحالف آل سعود الإماراتي، في الحرب على اليمن، ولم يعد حلفا مقدسا. ووقع اللامتوقع الذي يؤشر على تحول، أو لربما على ضرورة مراجعة الحساب، ضربة أرامكو، تحول دراماتيكي، واكتفت الولايات المتحدة بالإدانة اللفظية.
ومن السذاجة الاعتقاد أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة لخوض حرب في منطقة ملتهبة، لم تجن منها سوى الخيبة والحسرة. الموضوعية تقتضي الإقرار بأن كثيرا من الإصلاحات التي دعت لها السعودية، لها مبرراتها، وهي تعبير عن مطالب لفئات عدة من شرائح المجتمع، وضرورة توجهات اقتصادية تقطع مع اقتصاد ريعي، وضرورة التصدي لنزوع إيران إلى الهيمنة في المنطقة، ولكن الأسلوب شيء مهم في كل عمل، بل الفكرة الجيدة، يساء إليها بالتعبير السيئ.
التوتر القائم في منطقة الخليج، الناجم عن توجهات وأسلوب، لا يخدم دولها، وتداعياته تؤثر سلبا على كل بقاع العالم العربي والإسلامي.